Page 58 - مجلة الثقافة القانونية - العدد الثاني
P. 58

‫القاهنذوان‬

‫تعكس هذه الأمثلة التعسف الشديد من جانب النيابة العامة فى توجيه‬          ‫أظهر تطبيق نص المادة‪ 76 ‬من قانون تنظيم الاتصالات فى شأن جريمة‬
‫الاتهام بارتكاب جريمة تعمد الإزعاج على سلوكات أو أفعال تفتقد لجميع‬
‫الشروط أو العناصر المفترضة اللازمة لقيام الجريمة‪ُ  .‬يعد هذا الأمر‬       ‫تعمد إزعاج الغير عدة إشكاليات‪ .‬أثر تلك الإشكاليات كان ومازال يمثل‬
‫تعس ًفا لا يمكن تبريره فى استعمال سلطة الاتهام‪ ،‬وإساءة تفسير لنص‬
                                                                        ‫درجة عالية من الخطورة على الحرية الشخصية للأفراد‪ ،‬والحق فى‬
                             ‫المادة‪ 76 ‬من قانون تنظيم الاتصالات‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬توسع المحاكم فى تفسير مفهوم الإزعـاج باستخدام وسائل‬            ‫المحاكمة العادلة المنصفة‪ ،‬والعدل والمساواة بين المواطنين‪ ،‬والحق فى‬

                                                     ‫الاتصالات‬          ‫استخدام وسائل الاتصالات‪ ،‬وحرية الرأى والتعبير باستخدامها‪ .‬يمكن‬
‫أغفلت غالبية التطبيقات القضائية للمحاكم الجنائية بدرجتيها‬
‫الشروط الثلاثة اللازمة لقيام جريمة تعمد الإزعاج‪ ،‬مثلها مثل النيابة‬      ‫إيجاز بعض من هذه الإشكاليات فى التطبيقات القضائية لنص المادة‪،‬‬
‫العامة‪ .‬فتوسعت المحاكم الجنائية فى تطبيق نص المادة‪ 76 ‬من قانون‬
                                                                        ‫سواء فى مرحلة التحقيق أو فى مرحلة المحاكمة‪.‬‬
                       ‫الاتصالات ليشمل جميع وسائل الاتصالات‪.‬‬            ‫أو ًل‪ :‬ازدواج التجريم عن الفعل الواحد وإشكالية نسخ النصوص‬
‫استندت المحاكم الجنائية فى أحكامها إلى تفسير يرى أن الجريمة تقع‬
‫سواء كان ارتكابها باستخدام التليفون‪ ،‬أو جهاز الحاسب الآلى المستقبل‬      ‫وف ًقا لمادة إصداره الأولى‪ ،‬فقد نسخ قانون الاتصالات بمجرد سريانه‬
‫للبيانات والمعلومات‪ ،‬أو البريد الإلكتروني‪ ،‬أو الرسائل الإلكترونية‪ ،‬أو‬   ‫ودخوله حيز النفاذ جريمة إزعاج الغير بإساءة استعمال أجهزة المواصلات‬
‫الإنترنت‪ ،‬أو الاتصال التليفزيوني‪ ،‬أو غيرها من وسائل الاتصالات‬
‫الأخرى‪ 14.‬تواترت أحكام المحاكم الجنائية فى القضاء بالإدانة استنا ًدا‬    ‫التليفونية المنصوص عليها بالمادة‪ 166 ‬مكرر من قانون العقوبات نس ًخا‬
                                                                        ‫الصخراي ًحصاي‪7‬ق‪.‬ي‪ ‬بدالاإلقاضناوفنةالإلعاىم نوأسن اخلهت نشرسيعًخااللاضحمنق ًيياناسسختانلا ًداسابلقق‪،‬ا لعكدوةنهالتقاشنروينع‬
                                              ‫إلى ذلك التفسير‪.‬‬          ‫والرضغعمتنمظني ًذملا ككا‪،‬م ًمالزاللوتضالعنيمابنةااللأعوامضةاعف أىفكرثدي لرهمتنشالرأيعحياسنابتق‪.‬طب‪8‬ق‬
‫يأتى هذا على الرغم من أن وقائع الدعاوى تضمنت نشر علانية‬                                                                                                                      ‫جديد‬
‫باستخدام وسائل الاتصالات التى تستخدم المعالجة إلكترونية‪ ،‬أو‬                                                                                                                  ‫على‬
‫باستخدام إحدى وسائل تقنية المعلومات‪ ،‬أو عن طريق نظام أو شبكة‬
‫معلوماتية‪ ،‬وهى وقائع لا ينطبق عليها النموذج القانونى للجريمة المنصوص‬    ‫أحكام المادة‪ 166 ‬مكرر من قانون العقوبات‪ .‬توجه النيابة العامة للمتهمين‬

                       ‫عليها فى المادة‪ 76 ‬من قانون الاتصالات‪15.‬‬         ‫اتهامات بموجب المادة‪ 76 ‬من قانون تنظيم الاتصالات والمادة‪ 166 ‬مكرر‬
‫أما محكمة النقض فقد انتهت فى أحكامها إلى أن الإزعاج يتسع إلى‬
‫كـل قـول أو فـعل تع ّمده الجـانى يضيق به صدر المجنى عليه أ ًيا كان نوع‬            ‫من قانون العقوبات م ًعا عن الفعل الواحد المكون للجريمة‪.‬‬
‫أجهـزة الاتصالات المستعملة أو الوسيلة المستخدمة بها‪ 16.‬كما أنها لم‬      ‫امتد هذا الأمر إلى قضاء المحاكم الجنائية التى قضت فى بعض‬
‫تختلف عن المحاكم الجنائية والنيابة العامة فى الالتفات عن التحقق‬
‫من توافر الشروط اللازمة لقيام جريمة تعمد إزعاج الغير باستخدام‬           ‫القضايا بإدانة المتهمين على ارتكاب هاتين الجريمتين‪ 9.‬كما امتد أي ًضا‬
                                                                        ‫إلى محكمة النقض التى أيدت فى حكم حديث لها إدانة متهم بارتكاب‬
                                              ‫وسائل الاتصالات‪.‬‬
‫بالإضافة إلى ذلك‪ ،‬يظهر فى العديد من أحكام ومبادئ محكمة النقض‬            ‫الجريمة المنصوص عليها فى المادة‪ 166 ‬مكرر من قانون العقوبات الملغى‬
‫توسعها فى إطلاق نص التجريم ليشمل النشر على وسائل التواصل‬
                                                                                                                              ‫ضم ًنا‪10.‬‬
                               ‫الاجتماعى مثل فيسبوك وتويتر‪17.‬‬           ‫يشكل هذا الازدواج خطأ فى تطبيق القانون وانتهاك واضح لمبدأ‬
‫إطلاق سلطة التجريم بهذه الصورة قد ينطوى على تجريم لاستخدام‬
‫وسائل الاتصالات التى تعتمد بالأساس على المعالجة الإلكترونية أو‬          ‫شرعية الجرائم والعقوبات؛ فلا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون‪11.‬‬
‫تقنية المعلومات‪ ،‬وتجرى عبر نظام أو شبكة معلوماتية‪ ،‬وليس تجري ًما‬
‫لفعل الإزعاج الذى استهدفه المشرع‪ .‬يشكل هذا الأمر تهدي ًدا للحق فى‬       ‫الإثزانعًياا‪:‬ج‪ ‬تعسف النيابة العامة فى توجيه الاتهامات بارتكاب جريمة تعمد‬
‫استخدام المواقع‪ ،‬والتطبيقات‪ ،‬ومنصات التواصل الاجتماعي‪ ،‬والحسابات‬
‫الإلكترونية‪ ،‬أو بالأحرى تهدي ًدا لحق المواطنين فى استخدام وسائل‬         ‫توسعت النيابة العامة فى توجيه الاتهام بارتكاب جريمة تعمد إزعاج‬

                                                ‫الاتصال العامة‪.‬‬         ‫الغير بإساءة استعمال وسائل الاتصالات بغض النظر عن مدى التحقق‬
‫أوجه شبهة عدم الدستورية فى نص المادة‪ 76 ‬من قانون الاتصالات‬
‫يلاحق نـص المـادة‪ 76 ‬مـن قـانـون الاتـصـالات بشأن جريمة تعمد‬            ‫من توافر الشروط الثلاثة اللازمة لقيام هذه الجريمة‪ .‬يظهر ذلك فى‬
‫الإزعاج قدر كبير وواضح من العوار تشريعى بالإضافة إلى شبهة عدم‬
‫دستورية‪ .‬يعد ذلك السبب الرئيسى فى ظهور الإشكاليات المتعددة فى‬           ‫توجيه النيابة العامة الاتهام بارتكاب هذه الجريمة لكل من ارتكب علانية‬

                                              ‫تطبيق هذا النص‪.‬‬                                   ‫سلوك ترى أنه يشكل إزعا ًجا للمجنى عليه‪.‬‬
              ‫يمكن إيجاز أوجه عدم الدستورية فى ثلاثة أسبات‪:‬‬             ‫تتغاضى النيابة فى توجيه الاتهام بتعمد الإزعاج عن الوسيلة المستخدمة‬
‫مخالفة نص المادة لمبدأ عدم جواز توقيع عقوبة سالبة للحرية فى‬
              ‫جرائم النشر أو العلانية بمجرد سريان دستور‪.2014 ‬‬           ‫فى الجريمة‪ .‬توجه النيابة هذا الاتهام ولو كان الإزعاج باستخدام إحدى‬
‫صياغة النص التى اتسمت بالغموض والإبهام مما أخرجه عن عن‬
                                                                        ‫وسائل الاتصالات التى تستخدم المعالجة إلكترونية‪ ،‬أو باستخدام إحدى‬
                                  ‫نطاق شرعية التجريم والعقاب‪.‬‬
‫قسوة العقوبة السالبة للحرية المقررة لمرتكب الجريمة وعدم تناسبها‬         ‫وسائل تقنية المعلومات‪ ،‬أو عن طريق نظام أو شبكة معلوماتية‪ ،‬وليس‬

                                             ‫مع السلوك المجرم‪.‬‬          ‫فقط باستخدام وسائل الاتصال السلكية أو اللاسلكية التى يسرى عليها‬
‫أو ًل‪ :‬مخالفة النص لمبدأ عدم جواز توقيع عقوبة سالبة للحرية فى‬
                                                                        ‫نص المادة‪ 76 ‬من قانون الاتصالات‪.‬‬
                                         ‫جرائم النشر أو العلانية‬
                                                                        ‫كما تتغاضى النيابة أي ًضا عن شرط وجود اتصال مباشر بين المتهم‬
                                                                        ‫والمجنى عليه وشرط العلانية‪ .‬توجه النيابة اتهام تعمد الإزعـاج لمن‬

                                                                        ‫ارتكب سلو ًكا لا ُيتصور أب ًدا ارتكابه إلا فى علانية عبر استخدام تقنية‬
                                                                        ‫معلومات‪ ،‬كالنشر بجميع صوره التى من بينها كتابة المنشورات‪ ،‬أو نشر‬

                                                                        ‫الصور على مواقع التواصل الاجتماعى علانية‪.‬‬

                                                                        ‫على سبيل المثال‪ ،‬وجهت النيابة العامة فى إحدى القضايا اتهام بارتكاب‬

                                                                        ‫جريمة تعمد الإزعاج باستخدام وسائل الاتصال لمتهم لاستخدامه حسابه‬

                                                                        ‫الخاص على وسائل التواصل الاجتماعى فيسبوك وتويتر فى كتابة ونشر‬

                                                                        ‫منشورات علنية‪ .‬رأت النيابة أن هذه المنشورات تتضمن عبارات انطوت‬

                                                                        ‫على إهانة للهيئة الوطنية للانتخابات‪ ،‬وعلى أخبار وإشاعات كاذبة من‬

                                                                        ‫شأنها تكدير السلم العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة‪12.‬‬

                                                                        ‫فى قضية أخرى‪ ،‬وجهت النيابة العامة للمتهم ذات الاتهام ﻷنه استخدم‬

                                                                        ‫حسابه الخاص على فيسبوك فى كتابة إحدى المنشورات ونشر صور‬

                                                                        ‫خاصة للمجنى عليه والتعدى عليه بالقذف علانية‪13.‬‬

                                                                                    ‫أبريل ‪582024‬‬
   53   54   55   56   57   58   59   60   61   62   63