Page 28 - مجلة تنوير 3
P. 28
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
مجلــــــــــــــــة
حدثًـا فك ًرّيـا فـي حياتـي ،قلـب تصو ارتـي الفلسـفية كل شـيء حتـى الظاهـرة الطبيعيـة (الفيزيـاء) ،وأن
أر ًسـا علـى عقـب ،فأمسـكت بالمعـول نفسـه ورحـت العلـم ليـس موضوعًّيـا ،وتلـك -فـي تقديـري -قمـة
أقـوض بـه الفكـر المثالـي الـذي كان يسـتغرقني المثاليـة ،وحجتـه فـي تحديـد هـذا الموضـوع بهـذا
تما ًمـا ،وأبـدأ مرحلـة جديـدة مـن الحيـاة»((( .ومـا الشـكل أن العلـم مصـدره الإنسـان ،وأن الإنسـان
كاد ينتهـى مـن بحثـه للماجسـتير ،حتـى انصـرف لا يمكـن أن يكـون آلًّيـا أو ميكانيكًّيـا فـي تصرفـه،
عـن المثاليـة كليـ ًة إلـى الماديـة الجدليـة تـارًكا أنيـس وأن الإ اردة والحريـة تحكـم تصرفاتـه واختيا ارتـه .مـع
منصـور مـع وجوديـة عبـد الرحمـن بـدوي .وأصبـح أن الإنسـان آنـذاك كان قـد عـرف أسـ ارر تكويـن
مقتن ًعـا بالعلـم فـي جانبـه التطبيقـي الطبيعـي، الظاهـرة الطبيعيـة وتطورهـا مـن خـال الملاحظـة
وبالماركسـية إطـاًار منهجًّيـا للتفكيـر المـادي((( .وقـد والتجربـة وأصبـح يتحكـم فيهـا ويخضعهـا لمصلحتـه
صـَّرح العاِلـم بعبـوره تلـك المرحلـة بصيغـة الماضـي بعـد أن كان يخضـع لهـا ،الأمـر الـذي أدى إلـى
قائـ ًا« :كنـت منتسـًبا انتسـاًبا كامـاً إلـى تيـا ارت انكمـاش مسـاحة مسـاحة التفكيـر الغيبـي فـي ذهنـه
فكريـة غيـر علميـة ،وكان هـذا الانتسـاب الفكـري لحسـاب التفكيـر العقلـي المـادي(((.
عقبـة منهجيـة تردنـي عـن الاسـتبصار السـليم وبينمـا هـو غـارق حتـى أذنيـه فـي الفكـر المثالـي
الـذي ا ّطلـع عليـه فـي ق ارءاتـه الحـرة قبـل الد ارسـة
بالبحث الذي أستهدفه .كنت أتحرك بإ اردة نيتشه، الجامعيـة أو الـذي درسـه فـي الجامعـة يصـادف أن
وأتعـرف بحـدس برجسـون وطفرتـه الحيـة ،ولا أبصـر يقـ أر كتاًبـا ليعقـوب صـروف رئيـس تحريـر مجلـة
فـي الواقـع غيـر لا معقـول مايرسـون ،وكان شـعر المقتطـف عنوانـه «آفـاق العلـم الحديـث» ليزلـزل
ت .س .إليـوت لحنـي الجنائـزي المفضـل ،كنـت هـذا الكتـاب أسـس الفكـر المثالـي فـي عقـل محمـود
أميـن العاِلـم ،ويجعلـه يتشـكك فـي المثاليـة وجدواهـا
أعمـل بضميـر مـأزوم يرتبـط فيـه الإشـكال العلمـي لعالـم الواقـع .ثـم يقـع بعـد ذلـك علـى كتـاب لينيـن
«الماديـة والنقـد التجريبـي» فتضطـرب أركان
بالإنهيـار النفسـي ،والرغبـة فـي المعرفـة بالرغبـة فـي مثاليتـه اضط ارًبـا شـديًدا توشـك معـه علـى التهـاوي،
التكامـل والاسـتق ارر»((( .وهكـذا يتـرك محمـود العاِلـم ويؤمـن علـى أثـر ذلـك بموضوعيـة العلـم ،ويبـادر
إلـى تغييـر عنـوان رسـالته إلـى «نظريـة المصادفـة
الفكـر المثالـي إلـى غيـر رجعـة وإن ظـل موجـوًدا
بوجـه مـا مـن وجوهـه فـي أعمـاق نفسـه ،يظهـر
فـي بعـض الأوقـات واض ًحـا أحياًنـا ،وأحياًنـا أخـرى
مغلًفـا بالفكـر الماركسـي الشـيوعي.
ثالًثــا -الوعــي الماركســي والفلســفة بوصفهــا الموضوعيـة فـي الفيزيـاء ودلالتهـا الفلسـفية» .لكـن
أداة للتغييــر هـذا لـم يجعلـه مادًّيـا تجريبًّيـا .ذلـك أن هجـوم لويـس
أيقـن العاِلـم أ َّن الفكـر المثالـي لـن يحقـق أحلامـه عـوض الدائـم علـى الماديـة الجدليـة والتاريخيـة
التـي يصبـو إليهـا؛ فقـد كان يحلـم -فـي مغامـرة
فكريـة -بإقامـة ميتافيزيقـا تجريبيـة أو إقامـة مذهـب جعلـه يتحاشـى الالتـ ازم الماركسـي ،ويلـوذ أكثـر،
ومعـه أنيـس منصـور ،بعقلنـة عبـد الرحمـن بـدوي
((( محمود أمين العالِم ،فلسفة المصادفة ،ص.8
((( عاصم الدسوقي ،المتمرد ،ص.136 للوجوديـة .ولكـن مـا إن قـ أر كتـاب أنجلـز «جـدل
((( محمود أمين العالِم ،فلسفة المصادفة ،ص.12 الطبيعـة» ذلـك الكتـاب الـذي قـال عنـه« :كان هـذا
((( عاصم الدسوقي ،المتمرد ،ص.135
28