Page 29 - مجلة تنوير 3
P. 29

‫المجلس‬                        ‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬        ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

        ‫مجلــــــــــــــــة‬

        ‫فقـد رفـض قولبـة الماركسـية أو صبهـا فـي قوالـب‬                         ‫كانطـي جديـد علـى نتائـج العلـم الحديـث‪ .‬كان‬
        ‫صمـاء جامـدة؛ فقـد كانـت الماركسـية عنـد العاِلـم‬                       ‫الطمـوح كبيـًار لأن يكـون كانـط جديـًدا يحـدد طبيعـة‬
        ‫بمثابـة نسـق نظـري مفتـوح علـى الخبـ ارت والوقائـع‬                      ‫التفكيـر الميتافيزيقـي بنـاء علـى التصـو ارت العلميـة‬
        ‫الموضوعيـة المختلفـة بمـا يجـدد نسـقها النظـري‬
        ‫نفسـه مـع كل نجـاح أو فشـل‪ ،‬انتصـار أو هزيمـة‬                           ‫الجديـدة‪ .‬ومـن ثـم أخـذ يبحـث عـن عـن ُسـبل تحقيـق‬
        ‫ومـآس داميـة‪ ،‬مـع كل تجـدد واكتشـاف بالوعـي‬                             ‫حلمـه بعيـًدا عـن المثالَّيـة التـي كفـر بهـا‪ ،‬وولـى‬
        ‫والممارسـة بالعلـم والعمـل‪ .‬فبهـذا تتجـدد النظريـة‬                      ‫وجهـه شـطر الفلسـفة الماركسـية فاسـتوعبها مذهًبـا‬
        ‫تاريخًّيـا كنمـط نظـري مفتـوح فاعـل‪ ،‬ويتجـدد بهـا‬                       ‫ومنه ًجـا‪ .‬وفـي الوقـت نفسـه تحمـل تبعـات النضـال‬
        ‫التاريـخ نفسـه‪ ،‬كذلـك يتجـدد وعيـه النظـري بحركتـه‬                      ‫الـذي يتجـاوز الدائـرة الفك َرّيـة المجـردة إلـى العمـل‬
        ‫الذاتيـة وبالعوامـل والإمكانيـات والتحـولات المتجـددة‬                   ‫السياسـي بوعورتـه وقسـوته وص ارعاتـه الحـادة‬
        ‫الفاعلـة فيـه‪ ،‬ولعـل هـذا هـو مـا دعـا ماركـس نفسـه‬
        ‫الذي تنتسـب إليه النظرية الماركسـية نفسـها إلى أن‬                       ‫والمميتـة‪ .‬فـكان بالفعـل كمـا يقـول عنـه سـمير كـرم‪:‬‬
        ‫يؤكـد أنـه ليـس ماركسـًّيا‪ ،‬مبرًئـا فكـره مـن كل نسـق‬
                                                                                ‫«لا أسـتطيع أن أسـتعيد إلـى ذهنـي مفكـًار ماركسـًّيا‬
           ‫مغلـق أو رؤيـة قدريـة قبليـة لحركـة التاريـخ(((‪.‬‬                     ‫أو عالمًّيـا جمـع إلـى عمـق الإلمـام بالفلسـفة‬
                                                                                ‫الماركسـية مسـئولية النضـال مـن أجـل الاشـت اركَّية‬
        ‫ومـن ثـم كان انخـ ارط العاِلـم فـي صفـوف‬                                ‫كمـا فعـل العاِلـم فـي حيـاة خصبـة وثريـة بالعطـاء‬
        ‫الشـيوعيين واختيـاره الانضمـام لمجموعـة «النـواة»‬
        ‫باحثًـا عـن الحريـة والعدالـة الاجتماعيـة‪ .‬ورغـم ذلـك‬                                           ‫الفكـري والنضالـي»(((‪.‬‬
        ‫يخالـف العاِلـم كافـة فصائـل اليسـار المصـري مـن‬
        ‫الموقـف مـن ثـورة ‪1952‬م‪ ،‬ففـي حيـن رفضهـا‬                               ‫فلقـد وضـع محمـود العاِلـم الطبقـة العاملـة‬
        ‫اليسـار بحجـة أنـه رآهـا انقلاًبـا عسـك ّرًيا فاشـًّيا‪ ،‬أرى‬
        ‫فيهـا العاِلـم طريقـة للتغييـر إلـى الأفضـل‪ ،‬وأبـدى‬                     ‫نصـب عينيـه‪ ،‬ناضـل بالفكـر والقلـم وبالمعارضـة‬
        ‫احت ارمـه لنظـام عبـد الناصـر واعتبـره وطنًّيـا‪ ،‬ودعـا‬
        ‫إلـى ضـرورة التعـاون مـع الثـورة لا مقاطعتهـا كمـا‬                      ‫السياسـَّية‪ ،‬فـكان انضمامـه إلـى فصائـل اليسـار‬
                                                                                ‫المصـري مطالًبـا بحقـوق العمـال ومداف ًعـا عنهـم‬
                                                                                ‫ضـد القهـر والاسـتغلال‪ .‬وكان هـذا بالنسـبة لـه ه ًّمـا‬
                                                                                ‫مشـترًكا تقاسـمه العاِلـم مـع الكثيـر مـن الماركسـيين‬
                                                                                ‫المصرييـن والعـرب‪ ،‬فقـد كان العاِلـم ذا علاقـات‬

        ‫دعت فصائل اليسار‪ .‬وأعلن عن موقفه قائ ًل‪« :‬إ َّن‬                         ‫واسـعة بالماركسـيين المصرييـن والعـرب‪ ،‬جمعتـه‬
        ‫ثـورة يوليـو حركـة وطنيـة ديمق ارطيـة رغـم طابعهـا‬                      ‫بهـم صداقـة وألفـة وحـواًار واختلاًفـا‪ ،‬كمـا كانـت لـه‬
                                                                                ‫علاقـات ببعـض الماركسـيين الأوربييـن ولا سـيما‬
        ‫العسـكري وأسـاليبها الفوقيـة غيـر الديمق ارطيـة‪ ،‬ولا‬
        ‫بـد أن نتعـاون معهـا»‪ ،‬فقـد كان يـرى فـي ثـورة‬                                                 ‫الماركسـيين الفرنسـيين‪.‬‬

        ‫يوليـو تيـاًار وطنًّيـا ديمق ارطًّيـا اشـت اركًّيا‪ ،‬وعلـى هـذا‬          ‫وإذا كان ماركس قد أرى أن مهمة الفلسفة تغيير‬
        ‫الأسـاس يصبـح فـي الإمـكان إن لـم يكـن ضرو ّرًيـا‬                       ‫العاِلـم وليـس تفسـيره فقـط‪ ،‬فـإن العاِلـم آمـن بحركيـة‬
                                                                                ‫وديناميـة الفكـر الماركسـي لا جمـوده وتكلسـه‪،‬‬
        ‫إيجـاد وحـدة بينهـا وبيـن الشـيوعيين لتشـكيل حـزب‬
                                                                                ‫((( سـمير كـرم‪ ،‬الفيلسـوف مناضـ ًا‪ ،‬مجلـة أدب ونقـد‪ ،‬تصـدر عـن‬
        ‫ديمق ارطي وليس حزًبا شيوعًّيا مثلما حدث في كوبا‬                         ‫حــزب التجمــع الوطنــي التقدمــي الوحــدوي‪ ،‬الســنة الخامســة‬

        ‫((( محمـود أمـن العالِـم‪ ،‬الفكـر العـربي بـن الخصوصيـة والكونيـة‪،‬‬                   ‫والعــرون‪ ،‬العــدد‪ ، 283‬مــارس ‪ ،2009‬ص‪.132‬‬
        ‫ضمـن الأعـال الكاملـة‪ ،‬المجلـد الثـاني‪ ،‬القاهـرة‪ ،‬الهيئـة المصريـة‬

                                 ‫العامــة للكتــاب‪ ،2015 ،‬ص‪.457‬‬

                                                                            ‫‪29‬‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34