Page 66 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الآيفون
P. 66

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫تشـكل المجـال العـام بشـكل بـارز جـاء مـع ظهـور‬                                                      ‫مجلــــــــــــــــة‬
                           ‫المجتمـع المدنـي(‪.)3‬‬
                                                                      ‫يكافـح مـن أجـل تحقيـق الحريـة»(‪.)2‬‬
‫اتسـعت بعـد ذلـك الموائـد والصالونـات والمقاهـي‬
‫التـي اختلفـت فـي الحجـم والتركيـب والسياسـات‬                 ‫‪ -2‬التأسيس التاريخية للمفهوم عند هابرماس‬
‫وأسـلوب إج ارءاتهـا وتوجهاتهـا الفكريـة‪ ،‬وكان يـدار‬
‫داخلهـا مناقشـات منظمـة بيـن النـاس الخصوصيـون‬              ‫يكشـف المجـال العـام عنـد هابرمـاس عـن كثـرة‬
‫‪ -‬علـي حـد تعبيـر هابرمـاس ‪ -‬وكانـت تميـل إلـى‬              ‫المعانـي المتلاقيـة فـي فكـر واحـد‪ ،‬وترجـع أصولهـا‬
‫أن تكـون مسـتمرة وكانـت تمتلـك عـدًدا مـن المعاييـر‬         ‫وجذورهـا إلـى م ارحـل تاريخيـة متنوعـة‪ ،‬ولقـد كتـب‬
‫المؤسسـاتية النظاميـة المشـتركة فيمـا بينهـا‪ ،‬أهمهـا‪:‬‬       ‫هابرمـاس فـي كتابـه أن التطبيقـات الأولـى للمفهـوم‬
                                                            ‫ظهـرت مـع الحضـارة الإغريقيـة فـي الحيـاة العامـة‬
‫	•حافظـت هـذه المؤسسـات علـى نـوع المخالطـة‬                 ‫وارتبـط المجـال العـام فـي هـذه الحضـارة بالأسـواق‪،‬‬
‫الاجتماعيـة الـذي لـم يعـ ِط للمكانـة اعتبـاًار‪،‬‬            ‫كمـا تشـكل أي ًضـا فـي المناقشـات والجلسـات فـي‬
‫وحـل محـل الاهتمـام بالمكانـة مـا أسـماه‬                    ‫المحاكـم‪ ،‬وعبـر العصـور الوسـطى كلهـا كانـت‬
                                                            ‫تطبيقـات المجـال العـام تقتصـر علـى (الجمهـور‬
 ‫هابرمـاس بالمسـاواة الإنسـانية المشـتركة‪.‬‬                  ‫المشـترك)‪ ،‬وتـم اسـتخدام هـذا المفهـوم فـي القانـون‬
                                                            ‫الرومانـي‪ ،‬إلا أن المفهـوم بالمعنـى القانونـي الفنـي‬
‫	•إن المناقشـات داخـل المجـال العـام افترضـت‬                ‫نشـأ مـع الدولـة المدنيـة وظهـور المجتمـع المدنـي‪،‬‬
‫حلـولاً لمجموعـة مـن الموضوعـات والمشـكلات‬                  ‫ولقـد أشـار هابرمـاس إلـى أن التطبيـق الأكبـر‬
                                                            ‫للمفهـوم ظهـر فـي القـرن السـابع عشـر فـي فرنسـا‬
       ‫التـي لـم يتـم بحثهـا حتـى ذلـك الحيـن‪.‬‬              ‫لـدى الجمهـور الـذي قصـد بهـم نقـاد الفـن والأدب‬
                                                            ‫وبـرز بشـكل كبيـر فـي مسـارح باريـس التـي كانـت‬
‫	•شـكلت المنتديـات شـكلاً جديـًدا مـن التمثيـل‬              ‫تجمـع بيـن النبـاء وطبقـة عليـا برجوازيـة شـغل‬
‫البرجـوازي‪ ،‬ويـرى أنـه كلمـا اسـتطاع الجمهـور‬               ‫أعضاؤهـا مسـارح باريـس‪ ،‬كمـا ظهـرت تطبيقاتـه‬
‫أن يؤسـس ذاتـه علـى نحـو نظامـي مؤسسـاتي‬                    ‫فـي فرنسـا فـي الصالونـات وأبرزهـا قاعـة فنـدق دي‬
‫كجماعـة مسـتقرة وكلمـا كان الفـرد واعًيـا بأنـه‬             ‫ارمبوليـت التـي كانـت قاعـة احتفـالات ملكيـة ثـم‬
‫جـزٌء مـن الجمهـور الأكبـر كلمـا سـهل ذلـك‬                  ‫تحولـت إلـى صالـون فكـري‪ ،‬وقـد أشـار هابرمـاس‬
                                                            ‫إلـى ظاهـرة انتشـار الصالونـات فـي القـرن الثامـن‬
                   ‫تشـكل المجـال العـام(‪.)4‬‬                 ‫عشـر حيـث أصبحـت سـاحة للمجـال العـام‪ ،‬ثـم‬
                                                            ‫انتشـرت أي ًضـا هـذه الصالونـات فـي بريطانيـا‬
           ‫‪ -3‬نقد المجال العام عند هابرماس‬                  ‫وبلغـت عصرهـا الذهبـي فـي فرنسـا وبريطانيـا مـا‬
                                                            ‫بيـن عـام ‪ 1680‬و‪ ،1730‬وكانـت الصالونـات فـي‬
‫تواتـرت الكتابـات حـول المفهـوم الـذي قـدم لـه‬              ‫الدولتيـن فـي البدايـة مقـر للنقـد الأدبـي ثـم انتقلـت‬
‫هابرماس وعن نظريته المسـتقلة المرتبطه به‪ ،‬ومن‬               ‫بعـد ذلـك للنقـد السياسـي البنـاء وبـدأت تلعـب دورهـا‬
‫الملاحـظ أن هـذا المفهـوم نجـح فـي تقديـم العديـد‬           ‫فـي تشـكل المجـال العـام‪ ،‬إلا أن هابرمـاس أرى أن‬
‫مـن التفسـي ارت المقبولـة علـى الصعيـد الواقعـي‬
‫لكثيـر مـن القضايـا الاجتماعيـة والسياسـية‪ ،‬وعلـى‬
‫الرغـم مـن ارتبـاط المفهـوم بالدولـة المدنيـة الحديثـة‬
‫إلا أنـه لـم يسـلم مـن الانتقـادات‪ ،‬فقـد ذهبـت جالانـا‬

                                                        ‫‪66‬‬
   61   62   63   64   65   66   67   68   69   70   71