Page 79 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الأندرويد
P. 79
المجلس لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
مجلــــــــــــــــة
مـن خـال مواقفهـم المناهضـة للحكـم التسـلطي الجديـد فـي مجـال الفيزيـاء ،ممـا يـدل علـى التجانـس
الـذي يرجـح حدوثـه فـي كل عصـر بيـن فـروع العلـم والعقيـدة الدينيـة المتعصبـة.
والمعرفـة والأدب والفـن .وفـي الغـرب الأوروبـي ُيضـاف إلـى ذلـك تقليـد طويـل فـي الكتابـة
يغلـب الاهتمـام «بالإنسـان» فينصـب معظـم الفكـر والتأليـف الأدبـي؛ لذلـك كلمـة مثقـف تعنـي اليـوم فـي
الفلسـفي علـى تحليـل الوجـود الإنسـاني لمعرفـة الغـرب الإنسـان الـذي تلقـى علوًمـا عاليـة لتأطيـر
وتوجيـه المجتمعـات؛ حيـث يشـعر فـي نفسـه أنـه
جوهـره الـذي يـدل علـى حقيقـة الإنسـان.
وهنـاك صيحـة كان لهـا دوُّيهـا وأثرهـا فـي الجانـب طليعـة المجتمـع الحديـث.
الغربـي مـن أوروبـا ،فبعـد أن كانـت الفكـرة الشـائعة أمـا فـي المجتمعـات غيـر الغربيـة فغالًبـا مـا
المتوارثـة عـن سـق ارط فـي قولتـه (أيهـا الإنسـان يقتـرن مفهـوم المثقـف بمفهـوم النخبـة العالمـة أو
اعـرف نفسـك) ،والمتوارثـة أي ًضـا عـن ديـكارت فـي المتعلمـة والتـي لا تنحـو بالضـرورة باتجـاه التفكيـر
مقولتـه (أنـا أفكـر إذن انـا موجـود)ُ ،نـودي برؤيـة الحـر ،بـل إن غالبيـة الأبحـاث دلـت علـى أن توجـه
جديـدة طرحهـا «هوسـرل» أقامهـا علـى أسـاس المثقـف فـي بلـدان العالـم الثالـث ،هـو نحـو السـلطة
أن «الوعـي الـذي هـو جـزء لا يتجـ أز مـن فطـرة لا نحـو معارضتهـا أو انتقادهـا .بـل إن المثقفيـن
الإنسـان» يتضمـن فـي صلبـه توج ًهـا نحـو خـارج طبقـة مـن الطبقـات التقليديـة العالمـة الأخـرى فـي
الإنسـان ،ومعنى ذلك أن فردية الفرد ليسـت مطلقة المجتمـع ،تكتـب عـن السـلطان وللسـلطان (فردريـك
معتـوق ،1993 ،ص )198ولكـن عربًّيـاُ ،يقـال
بـل موصولـة بالعالـم. أن و ارءنـا خمسـة آلاف سـنة مـن الكتابـة ،للدلالـة
أمـا فـي الشـرق الأوروبـي فقـد اتجـه الميـل
علـى تاريخيـة ثقافتنـا ،بمـا يعنـي أن الكتابـة والثقافـة نحـو رؤيـة الإنسـان الفـرد مـن حيـث هـو جـزء فـي
مجمـوع ،وكأن فرديتـه لا تعنـي شـيًئا .وفـي أمريـكا سـالة واحـدة .ولطالمـا جـرى الظـن أن المثقـف هـو
الشـمالية نـزع الفكـر نحـو رؤيـة مسـتقبلية؛ فصحـة الكاتـب ،فيمـا هـو المفكـر ،المصـور ،المبـدع أولاً
فكـرة صحيحـة لا تُسـتمد مـن أصـول ماضيـة بـل وأخيـًار( .خليـل أحمـد خليـل ،2001 ،ص )30
تسـتند إلـى مـا قـد ينتـج عنهـا مـن منافـع يتقـدم بهـا وحيـن يطـرح زكـي نجيـب محمـود رؤيتـه حـول
المثقـف بيـن الشـرق والغـرب ،فإنـه ينطلـق مـن
الإنسـان فـي غـده.
ويعتقـد «زكـي نجيـب محمـود» أن إمعـا َن النظـر تحديـد الفلسـفة التـي تميـز العصـر أولاً ،وفـي مؤلفـه
فـي تلـك الاتجاهـات الفكريـة بيـن أقاليـم الغـرب «حصـاد السـنين» يرصـد خلافـات إقليميـة واضحـة
فـي مذاهـب الفلاسـفة المعاصريـن ،ويبـدأ بالغـرب تعكـس جوانـب متكاملـة فـي كيـان واحـد .إن هـذه
الخطـوط الفكريـة تتلاقـى عنـد ضـرورة توجيـه مؤكـًدا أن الغـرب فـي هـذا الزمـان هـو صانـع
الاهتمـام نحـو «الإنسـان» فـي حياتـه ليصبـح غايـة العصـر .ولـكل إقليـ ٍم مـن أقاليـم الغـرب متجـ ٌه فكـري
فـي ذاتهـا وليـس وسـيلة لهـدف سـواه ،وتلـك هـي منفـرد بـه .ففـي الشـمال الغربـي مـن أوروبـا يتجـه
الفكـر نحـو «تحليـل العلـوم» .وهـذه الرغبـة فـي روح العصـر ،وهنـا يطـرح سـؤاله المهـم( :أفـي هـذه
تحليـل الفكـر قـد جـاءت تجاوًبـا مـع العلـم الـذري الغايـة التـي يتغياهـا عصرنـا بمختلـف مذاهبـه ،مـا
79