Page 81 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الأندرويد
P. 81

‫المجلس‬                        ‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                               ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

        ‫مجلــــــــــــــــة‬

        ‫كتفيه من قيم وتهاويل بالية‪ 	((().‬كمـا يظهـر لنـا‬                                               ‫الواقـع المـادي والاجتماعـي (البنـاء التحتـي)‪.‬‬

        ‫«سـانكوبان از» الفـاح البسـيط الـذي تـرك أرضـه‬                                                 ‫وفـي ضـوء ذلـك‪ ،‬لا يعنـي علـم الاجتمـاع‬
        ‫وعائلته وسار و ارء سيده‪ ،‬وهنا تبرز قضية جديدة‪،‬‬                                                 ‫المعرفـي بد ارسـة حقيقـة الأفـكار لكنـه يهتـم بد ارسـة‬
        ‫أن سـانكوبان از هـو السـيد الجديـد بعـد القضـاء علـى‬                                           ‫الوظيفة الاجتماعية للأفكار‪ ،‬وعلاقتها بالجماعات‬
        ‫الإقطـاع وهـو صاحـب الفكـرة البسـيطة الواقعيـة‪.‬‬                                                ‫الاجتماعيـة ومصالـح تلـك الجماعـات‪ ،‬مـن هنـا فإن‬

        ‫وهكـذا يحلـل لنـا «أميـن العالـم» بنظرتـه النقديـة‬                                             ‫كافـة صـور الفكـر وأنواعـه‪ ،‬الحقيقـي منهـا وال ازئـف‪،‬‬

        ‫النافـذة عصـر تاريخـي يشـهد تناقضـات وص ارعـات‬                                                 ‫تمثـل موضو ًعـا لعلـم الاجتمـاع المعرفـي؛ لأن‬
        ‫طبقيـة وقيميـة واقتصاديـة فـي ثنايـا تحليلـه لروايـة‬                                           ‫لـكل فكـر وظيفتـه الاجتماعيـة وأصولـه ومحدداتـه‬

        ‫الاجتماعيـة‪ ،‬فـي ذلـك يقـول ميرتـون ‪« Merton‬لقـد دون كيشـوت‪ ،‬وهـو يعتقـد أن دون كيشـوت كان‬

        ‫رمـًاز إنسـانًّيا عميًقـا‪ ..‬فخـرج علـى حصانـه العجـوز‬                                          ‫جـاء علـم اجتمـاع المعرفـة إلـى الوجـود بغـرض‬
        ‫مـن طـرف أسـبانيا وطـاف العالـم كلـه‪ ،‬وطـاف‬                                                    ‫أساسـي هـو أن الحقائـق ترتبـط بالمجتمـع التاريخـي‬

        ‫الذي تنشأ فيه»‪( .‬الطاهر لبيب‪ ،1987 ،‬ص‪ )19‬العصـور جمي ًعـا‪ ،‬حتـى عصرنـا هـذا‪.‬‬

        ‫لقـد نجـح فيلسـوفنا الكبيـر «أميـن العالـم» فـي‬                                                ‫وقـد نهـج الفيلسـوف «أميـن العالـم» هـذا النهـج‬

        ‫المعرفـي فـي تحليلـه لروايـة «دون كيشـوت» فـي تحليـل العلاقـة بيـن الروايـة وبيـن السـياق الـذي‬

        ‫ُكتبـت فيـه‪ ،‬كمـا وضـح لنـا كيـف تعكـس أفـكار‬                                                  ‫كتابه «الإنسان موقف»‪ ،‬فقد حلل رؤية «ميجل دي‬
        ‫«سـيرفانتس» قضايـا المجتمـع التاريخـي الـذي‬                                                    ‫سيرفانتس» في ضوء السياق الاجتماعي والتاريخي‬

                              ‫انبثقـت فـي ظلالـه‪.‬‬                                                      ‫الـذي كانـت تشـهده أسـبانيا فـي ذلـك الوقـت‪.‬‬

        ‫ارب ًعـا‪ :‬محمـود أميـن العالـم‪ :‬المثقـف الناقـد للـذات‬                                         ‫فـي أسـبانيا كان الإقطـاع ينهـار‪ ،‬وكانـت أسـبانيا‬
                                               ‫وللفكر‬
                                                                                                       ‫تسـتبدل بـه نظا ًمـا أرسـمالًّيا جديـًدا‪ ،‬يقـوم علـى‬
        ‫مـا ُيثيـر الإعجـاب بالمفكـر «أميـن محمـود‬                                                     ‫الصناعـة‪ ،‬وكان الإقطـاع بعلاقاتـه الاجتماعيـة‬
        ‫العالـم» هـو مـا يمارسـه مـن نقـد وم ارجعـة ذاتيـة‬
        ‫لمؤلفاتـه وكتاباتـه‪ .‬وهـو إذ ينقـد أفـكاره فهـو يضعهـا‬                                         ‫وتقاليـده وت ارثـه عميـق الجـذور متهلهـاً متفسـ ًخا‬
        ‫فـي سـياقها التاريخـي والاجتماعـي لكـي يحلـل مـا‬                                               ‫لأن أسـبانيا وطبقتهـا الاجتماعيـة الجديـدة لـم تؤمـن‬

                                                                                                       ‫نظامها الجديد بالقاعدة الذهبية‪ :‬الإنتاج الصناعي‪.‬‬

        ‫وفـي هـذه الأجـواء كتـب «سـيرفانتس» روايتـه‪ ،‬طرحـه فـي ضـوء معطيـات الواقـع‪ ،‬وفـي ضـوء ذلـك‬

        ‫((( لقد ضحكت أسـبانيا مع كاتبها «ميجل دي سـيرفانتس»‬                                            ‫فـكان «دون كيشـوت» تعبيـًار عـن كل مـا فـي حيـاة‬
        ‫مـن ذاتهـا حتـى لا تجهـش بالبـكاء فـي سـاعات الإذلال‬                                           ‫سـيرفانتس وحيـاة إسـبانيا مـن صـ ارع وتناقـض‪.‬‬
        ‫والاندحـار‪ ،‬شـاعرة بضـرورة بعـث الوطـن مـن كبوتـه‪ ،‬وأن‬                                         ‫( وينكفـئ الفـارس مهزوًمـا‪ُ ،‬معبـًار عـن هزيمـة‬
        ‫ذلـك لا يتـم إلا باقتبـاس مثاليـة «دون كيشـوت» وعطائـه‪.‬‬                                        ‫الإقطـاع أمـام النظـام الصناعـي الجيـد‪ ،‬وتضحـك‬
        ‫وسـيرفانتس يتطلـع مـن خـال شـخصية دون كيشـوت نحـو‬                                              ‫إسـبانيا‪ ،‬وتضحـك أوروبـا‪ ،‬تضحـك علـى دون‬
        ‫هـدم الأيديولوجيـات القديمـة والعـرف والمظاهـر والأمجـاد‬                                       ‫كيشـوت‪ ،‬وتضحـك فـي الحقيقـة علـى آخـر فرسـان‬
        ‫والشـعر والنبالـة‬  ‫يابلنـميسـاععادلةًمـالليإنسـسـوادنيفةيـاهلمالعذحـبـةب‪.‬‬  ‫ال ازئفـة حتـى‬      ‫الإقطـاع والعصـور الوسـطى‪ ،‬ومـا يحملـه علـى‬
        ‫انظـر تفاصيـاً‬                                                             ‫التـي تمـد يـد‬
                           ‫فـي‪( :‬غبريـال وهبـة‪ ،1989 ،‬ص‪)152‬‬

                                                                                                   ‫‪81‬‬
   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86