Page 86 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الأندرويد
P. 86

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                 ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫موقعـه كفيلسـوف للحاكـم‪ ،‬عندمـا ينخـرط المثقـف‬                                                        ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫هنـا كمنظـر فـي أمـور السياسـة أو يوجـه نظرياتـه‬
                                                             ‫وبعـد أن تسـتهلكه عـن آخـره‪ ،‬أو حيـن يفقـد القـدرة‬
                                     ‫لخدمتهـا‪.‬‬               ‫علـى التبريـر الذكـي ويكـرر تبريـره القديـم الـذي لا‬
                                                             ‫يلاحـق الأحـداث لفظتـه خارجهـا‪ ،‬ومـن هنـا فالمثقف‬
‫موقعـه كمستشـار للحاكـم‪ ،‬وهنـا يفقـد المثقـف‬                 ‫بحكم رسـالته في ص ارع دائم مع السـلطة فهي تمثل‬
‫حيـاده الأخلاقـي ويوجـه بحوثـه مـن أجـل تحديـد‬               ‫البقـاء والمحافظـة ومـا هـو كائـن بينمـا هـو يمثـل‬
‫أسـاليب السـيطرة أو التحريـك الخفـي للجماهيـر‪.‬‬               ‫الحركـة والتقـدم ومـا ينبغـي أن يكـون (حسـن حنفـي‪،‬‬

‫موقعـه المسـتقل عـن الحاكـم وعـن الدولـة‪ ،‬وهنـا‬                        ‫‪ ،1998‬ص‪ ،182‬ص ص ‪)30-29‬‬
‫يلتـزم المثقـف السوسـيولوجي بقيـم العقـل والحريـة‬
‫لكي يستطيع أن ينفصل ببحوثه عن صانع الق ارر‪،‬‬                  ‫يذهب «أندريه مالرو» إلى أن المثقف المعاصر‬
‫بحيـث يصبـح العالـم الاجتماعـي «سياسـًّيا خـارج‬              ‫هـو الـذي يـوازي بيـن التطـور العلمـي وبيـن تنميـة‬
                                                             ‫السياسـة فـي المجتمـع (عبـد الله الجفـري‪،2001 ،‬‬
 ‫السياسـة» (أحمـد ازيـد‪ ،2016 ،‬ص‪)54 -51‬‬                      ‫ص‪ ،)42-41‬فالسياسـة فـي كل مـكان ولا منجـاة‬
                                                             ‫منهـا بالفـ ارر إلـى عالـم الفـن الصافـي والفكـر النقـي‪.‬‬
‫وفـي السـياق ذاتـه حـدد «إدوارد شـيلز» خمسـة‬                 ‫وانطلاًقـا مـن ذلـك فـإن علـى المثقـف أن يقيـم عملـه‬
‫أنـواع تعكـس علاقـة المثقـف بالسـلطة وهـي‪ :‬العلاقـة‬          ‫علـى سياسـة عامـة تكشـف عـن معنـى الحقيقـة‪،‬‬
‫العلميـة والعلاقـة الرومانسـية والعلاقـة الثوريـة‬            ‫مسـاوًيا بيـن تسـييس العلاقـات الاجتماعيـة والمعرفـة‬
‫والعلاقة الشـعبية ومعارضة المثقفين للنظام‪ .‬وعلى‬              ‫الموضوعيـة (فيصـل د ارج‪ ،2004 ،‬ص‪.)41‬‬
‫الرغـم مـن معرفـة شـيلز بـأن المثقـف لا تُقـاس ثقافتـه‬       ‫وفـي هـذا السـياق وّحـد «إدوارد سـعيد» بيـن الكتابـة‬
‫مـن خـال معارضتـه أو تأييـده للسـلطة إلا أنـه‬                ‫والسياسة بسبب مأساته الفلسطينية‪ ،‬وهكذا وحد بين‬
‫اهتـم بمعالجتهـا؛ لأنهـا تمثـل أحـد أهدافـه فـي الرؤيـة‬      ‫الثقافـة والتحريـر ُمتفًقـا مـع أري «غ ارمشـي» الـذي‬
‫والتحليـل‪ ،‬إذ ليـس جميـ ُع المثقفيـن يتعارضـون مـع‬           ‫عـرف المثقـف المعاصـر بأنـه مختـص بالسياسـة‪،‬‬
‫السـلطة وبالـذات المبتـدؤون والأفاقـون والانتهازيـون‬
‫والم ارهنـون والمرتزقـة‪ ،‬جميعهـم يفضلـون عسـلها‬                ‫مؤيـًدا تسـييس النقـد وتصويـب الثقافـة بالسياسـة‪.‬‬
‫علـى قلمهـم وفكرهـم وشـرف مهنتهـم رغـم تعـارض‬
‫ذلـك مـع مبـاديء وظيفـة ثقافتهـم‪( .‬معـن خليـل‬                ‫وقـد اهتـم « اريـت ميلـز» بـدور المثقفيـن كأداة‬
                                                             ‫فعالـة فـي تغييـر المجتمـع‪ ،‬فلـو لـم يربـط الفكـر نفسـه‬
                 ‫العمـر‪ ،‬ص ص‪)278 -276‬‬                        ‫بقيمـة البحـث عـن الحقيقـة فـي النضـال السياسـي‪،‬‬
                                                             ‫فإنـه لا يسـتطيع أن يحتـك بخبـرة الحيـاة ككل‪ ،‬وقـد‬
‫وفـي الإطـار ذاتـه ُطرحـت بعـض التصنيفـات‬                    ‫ألقـى ميلـز علـى عاتـق المثقـف – وعالـم الاجتمـاع‬
‫للمثقـف فـي حـال ارتباطـه أو إقامتـه علاقـة مـع‬              ‫علـى وجـه الخصـوص ‪ -‬مهمـة رئيسـية فـي مجـال‬

        ‫السـلطة أو السياسـة بوجـ ٍه عـام ومنهـا‪:‬‬                                   ‫د ارسـة المجتمـع والسياسـة‪.‬‬

‫المثقـف الحاكـم‪ :‬هـو المواطـن المثقـف الـذي‬                  ‫وفًقـا لذلـك يحـدد «ميلـز» ثلاثـة مواقـع أساسـية‬
‫تسـاعده ظروفـه علـى بلـوغ السـلطة حاك ًمـا‪ ،‬فـي أي‬            ‫يمكـن للمثقـف السوسـيولوجي أن يشـغلها وهـي‪:‬‬

                                                         ‫‪86‬‬
   81   82   83   84   85   86   87   88   89   90   91