Page 93 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 93
تلك المحاولات الفنية والأدبية وغيرها التي يتم إنتاجها في فترات كما وظف صلاح عبد الصبور شعره المسرحي في الترميز إلى القهر
الحروب ،نجد أنها قد نتجت عن ثقافة مؤقتة وهشة وسطحية؛ سواء والظلام وما يلحق بهذه المعاني ،فالملك الخيالي يعيش فوق مدينة
كانت في أثناء الحدث أو بعد انتهائه؛ لنجد أنفسنا أمام أعمال فنية خيالية ،وعندما يقترب باللمس من أي شيء حي؛ فيتحول إلى شيء
مناسباتية لا حصر لها تسعى للتركيز على الصور الكلية المتداولة عن ميت ،حتى إن علاقته بالملكة زوجته هي علاقة الجدب والعقم بالرغبة
أحداث الحرب ،وكذلك التأويلات التي يصنعها المؤلف /المخرج من في الخصوبة واشتهاء الميلاد .تناولت العديد من الأعمال المسرحية
مخيلته ليترك مدلوله الراسخ أمام المتلقي في الذاكرة الجمعية للمجتمع أحداث حرب أكتوبر العظيم على مستوى المسرح التسجيلي والغنائي
عبر التاريخ ،فالفن المسرحي لم يكن يوًما معزوًال عن المحيط وأدب الحرب الذي يرتكز بشكل أساسي على الجانب الإنساني والتأثير
الاجتماعي والسياسي ،بل هو انعكاس لما يحيا به الفرد في محاولة منه النفسي والاجتماعي للحرب وتوثيق التجربة الإنسانية ومعاناة الأفراد
لبلوغ الحقيقة التي يدرك من خلالها ماهية الحدث أو الشيء بذاته؛ وتخليد ذكرى الضحايا والتجارب القاسية والدعوة للسلام؛ حيث إن
لذلك يمكننا القول وبعد مرور 52عاًما على حرب أكتوبر المجيدة، المسرح أصبح سلاًحا ومنبًر ا ثقافًيا ومعنوًيا يوازي في تأثيره المدفع
إن أغلب النصوص والعروض المسرحية التي عرضت عن ذلك والبندقية ،وقد تميزت تلك المرحلة –بداية السبعينيات– بارتباط
الحدث حتى اليوم لم تكن على قدر كاٍف من الوعي بأهمية توثيق المسرح بالقضايا الوطنية والقومية؛ فانعكس الحدث الأكبر على
أحداث تلك الحرب التاريخية والبطولات الإنسانية والنماذج السياسية خشبات المسرح المصري والعربي في صور مختلفة ،من خلال
التي شاركت في صنع ذلك المجد الحي ،كما يجب إعادة النظر فيما تقديمه لرسائل مباشرة وغير مباشرة تدعو إلى الصمود والتحرر ،منها
كتب عن حرب أكتوبر ،وأن يكون هناك قراءات جديدة لتلك الأعمال مسرحية (حدث في أكتوبر) للكاتب المسرحي إسماعيل العادلي،
وإنتاج نصوص مسرحية جديدة مستلهمة من تلك البطولات بصورة إخراج كرم مطاوع ،وهي دعوة للتساؤل عن دور الفنان في المعركة؛
جدلية؛ لتضع المتلقي أمام ما مر به الوطن العربي ،وخاصة مصر من
آثار نكسة 67ومروًر ا بحرب الاستنزاف وصوًال لحرب استعادة فالممثلون يظهرون في العرض بشخصياتهم الحقيقة.
يمكن القول إن حرب أكتوبر قد أدت رسالتها؛ ففتحت بالقوة طريق
الكرامة والعزة. السلام ،ومع انتهاء الحرب بدأت اتجاهات جديدة في المجتمع تتناقض
وتختلف تماًما عما كان سائدا في عهد ثورة يوليو.
كما شهدت الساحة الثقافية العديد من التغيرات المتوالية في المؤسسات
الثقافية وبنائها التنظيمي لم ينعكس على المسرح فقط ،وإنما كل
مظاهر الحياة الثقافية الأخرى من نحت وتصوير ونقش وموسيقى
وباليه وأوبريت وأوبرا ودور نشر إلى غير ذلك ،ولأن المسرح أكثر
حساسية من غيره من الفنون؛ فقد انعكست عليه كل المظاهر
الاجتماعية والسياسية الآنية لتلك المرحلة التاريخية.
وإذا كان جيل الستينيات في الحقبة الناصرية مهموًما بمقاومة
الإمبريالية التوسعية في العالم الثالث ومقاومة العدوان الإسرائيلي
والسعي نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والتصالح بين الطبقات ..فإن
جيل السبعينيات قد ارتكزت جهوده على قضية الديمقراطية والحرية
السياسية والعلاقة بين الحاكم والمحكوم ،كما تنوعت أعمالهم في مجال
الكتابة بين الإسقاط السياسي والمحاولات التجريبية والملحمية ثم
توظيفهم للتراث الشعبي والتاريخي.
89

