Page 48 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 48

‫أهم العوامل الجغرافية والمناخية لنصر حرب أكتوبر ‪:١٩٧٣‬‬

    ‫(كيف هزمت مصر الطبيعة والتضاريس لتحقيق المعجزة)‬
                                                                              ‫مقدمة‪:‬‬

                                                                     ‫عندما يصبح الطقس والجغرافيا سلاحًا سريًا في يد الجندي المصري‬

                                                                     ‫المقاتل لإعادة الأرض المغتصبة‪ .‬في الذكرى الخالدة لحرب أكتوبر‬

                                                                     ‫المجيدة‪ ،‬لا تزال أسرار هذا النصر العظيم تبوح بدروسها المستفادة‪.‬‬

                                                                     ‫وراء كل دبابة عبرت القناة‪ ،‬ووراء كل جندي صامد على خط‬

                                                                     ‫المواجهة‪ ،‬كانت هناك إستراتيجية عسكرية فذة استطاعت أن تحول‬

      ‫أ‪.‬د‪ .‬فيروز محمود حسن‬                                           ‫التحديات الجغرافية والمناخية إلى أوراق رابحة حسمت المعركة‬
                                                                     ‫لصالح مصر‪ .‬لم يكن النصر وليد الصدفة‪ ،‬بل كان نتاج تخطيط دقيق‬
‫لم يكن عبور قناة السويس مجرد عملية إنزال عسكري‪ ،‬بل كان‬               ‫استغل كل عنصر في الطبيعة‪ ،‬من حركة الشمس واتجاه الريح إلى‬
‫معجزة هندسية استفادت من خصائص القناة المائية‪ .‬بدراسة دقيقة‬           ‫منسوب المياه ودرجة الحرارة‪ ،‬لصنع انتصار لا ُينسى‪ .‬هذه هي‬
‫لدورات المد والجزر‪ ،‬تم اختيار توقيت الهجوم عندما يكون منسوب‬          ‫القصة غير المروية لكيفية تحدي الجنود المصريين لقوانين الطبيعة‪،‬‬
‫المياه في أدنى درجات تقلبه؛ مما وفر استقرارًا غير مسبوق لعمليات‬      ‫وكيف أصبحت الجغرافيا والمناخ جنودًا مجهولين في صفوف القوات‬
‫بناء الكباري وعبور المعديات‪ .‬لقد أصبحت التيارات المائية‪ ،‬التي‬
‫كانت يمكن أن تتحول إلى عدو طبيعي‪ ،‬حليفًا صامتًا للقوات‬                                                                ‫المسلحة الباسلة‪.‬‬

                                                       ‫المصرية‪.‬‬      ‫الإستراتيجية الزمنية‪ :‬لماذا السادس من أكتوبر الساعة‬
                                                                                                                ‫الثانية ظهًر ا؟‬
 ‫مضخات المياه‪ :‬عندما يتحول الماء إلى سلاح ضد الرمال‬
                                                                     ‫عبقرية الاختيار‪ :‬شهر أكتوبر على طاولة التخطيط‬
‫واجهت القوات المصرية تحدًيا جغرافًيا هائًال يتمثل في الساتر‬                                                         ‫الحربي‪.‬‬
‫الترابي لخط بارليف‪ ،‬الذي كان ُيعتبر من أقوى التحصينات‬
‫العسكرية في التاريخ‪ .‬ولكن العبقرية المصرية استطاعت تحويل‬             ‫لم يكن اختيار توقيت الحرب مقامرة‪ ،‬بل كان ضربة إستراتيجية في‬
‫الماء إلى سلاح هدم‪ .‬باستخدام مضخات المياه عالية الضغط‪ ،‬تم‬            ‫توقيت مثالي‪ .‬بعد دراسة متعمقة لفصول السنة‪ ،‬استقر الرأي على أن‬
‫تحويل تربة الساتر الرملية إلى طين متحرك؛ مما أحدث ثغرات‬              ‫شهر أكتوبر يمثل النافذة الزمنية المثالية للهجوم‪ .‬في هذا التوقيت‪،‬‬
‫واسعة في التحصينات في ساعات قليلة‪ .‬لقد استغل المهندسون‬               ‫يكون مناخ سيناء معتدًال‪ ،‬بعيدًا عن حرارة الصيف الخانقة‬
‫العسكريون الطبيعة الصحراوية لسيناء لصالحهم‪ ،‬محولين الماء‬             ‫وعواصف الشتاء الرملية؛ مما وفر بيئة قتالية مثالية للجنود‬
                                                                     ‫والمعدات‪ .‬ولكن الأهم من ذلك‪ ،‬أن ليالي أكتوبر الطويلة منحت‬
                               ‫والرمال إلى أدوات هدم إستراتيجية‪.‬‬     ‫القوات ساعات ظلام إضافية كانت كفيلة بإخفاء تحركاتها وبناء‬

‫الحرب البصرية‪ :‬كيف سيطر المصريون على مجال‬                                                                ‫الكباري بعيدًا عن أعين العدو‪.‬‬
                                                ‫الرؤية؟‬
                                                                       ‫ساعة الصفر‪ :‬شمس الظهيرة التي أعمت عيون القناصة‬
       ‫الدخان والرياح‪ :‬ستائر التمويه التي حجبت الرؤية عن العدو‬
‫لم تكن ستائر الدخان الكثيفة مجرد أداة تمويه تقليدية‪ ،‬بل كانت نظامًا‬  ‫كان قرار بدء الهجوم في الساعة الثانية ظهًر ا بمثابة مفاجأة تكتيكية‬
‫معقدًا يستفيد من العوامل المناخية‪ .‬بدراسة دقيقة لاتجاهات الرياح‬      ‫غير مسبوقة‪ .‬في هذا التوقيت بالذات‪ ،‬تكون الشمس في كبد السماء‬
‫وسرعتها‪ ،‬تم إطلاق الدخان بحيث ُيحمل مباشرة نحو المواقع‬               ‫خلف ظهور القوات المصرية‪ ،‬بينما تواجه القوات الإسرائيلية وهج‬
‫الإسرائيلية‪ ،‬حاجبًا رؤية القوات المهاجمة ومربكًا دفاعات العدو‪ .‬لقد‬   ‫الشمس المباشر الذي يعمي أبصارهم ويعطل قدراتهم على‬
‫تحولت الرياح من ظاهرة مناخية عابرة إلى ناقل إستراتيجي للتمويه؛‬       ‫التصويب‪ .‬لقد حول القادة المصريون ظاهرة طبيعية بسيطة إلى‬
                                                                     ‫سلاح إستراتيجي حاسم‪ ،‬مكن قواتهم من العبور بأقل الخسائر‬
       ‫مما منح القوات المصرية غطاًء غير مسبوق في أثناء العبور‪.‬‬
                                                                                                                              ‫الممكنة‪.‬‬

                                                                     ‫معجزة العبور‪ :‬كيف ُهزمت قناة السويس وخط بارليف؟‬

                                                                     ‫المد والجزر‪ :‬تحدي التيارات المائية لصالح العبور‪.‬‬

‫‪44‬‬
   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53