Page 49 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 49
القمر والإضاءة الليلية :بين الظلام المظلم والضوء الخافت
تم التخطيط للعمليات الليلية باستغلال دقيق لأطوار القمر .في
النصف الأول من الليل ،وفر القمر المتنامي إضاءة طبيعية كافية
لاستكمال بناء الكباري ،بينما غاب القمر في النصف الثاني؛ مما وفر
ظلامًا دامًسا لعبور القوات الإضافية دون رصد .لقد أصبحت دورة
القمر الفلكية جزًءا من الخطة العسكرية؛ مما يظهر العمق
الإستراتيجي للتخطيط المصري.
العامل البشري :الجنود الذين هزموا المناخ والتضاريس
الجندي الصائم :تحدي الجوع والعطش تحت شمس سيناء
قاتل الجنود المصريون ،وهم صائمون في نهار رمضان ،تحت
شمس سيناء الحارقة .لكن الإيمان والقدرة على التحمل المصرية
استطاعت تحويل هذا التحدي إلى مصدر قوة معنوية .لقد أصبح
الصيام رمًز ا للصبر والإصرار ،بينما عانى الجنود الإسرائيليون من
صيام "يوم كيبور" كعبء غير متوقع أضعف قدراتهم القتالية.
المفاجأة الإستراتيجية :عندما اجتمعت الجغرافيا والتوقيت الديني
لم يكن تزامن الحرب مع يوم عيد الغفران (يوم كيبور) مصادفة ،بل
كان ضربة إستراتيجية مزدوجة .استفاد التخطيط المصري من
انشغال الإسرائيليين بالطقوس الدينية وتوقف الحياة العامة؛ مما
أعطى القوات المصرية الأسبقية في الساعات الحرجة الأولى من
الحرب .لقد حولت القيادة المصرية المناسبات الدينية إلى عامل
توقيت إستراتيجي حاسم.
الخاتمة:
دروس الجغرافيا والمناخ في إستراتيجية النصر
بعد أكثر من خمسة عقود على نصر أكتوبر المجيد ،تبقى الدروس
المستفادة من التفاعل بين الإستراتيجية العسكرية والظروف
الجغرافية والمناخية ذات أهمية كبيرة .لقد أثبتت حرب أكتوبر أن
النصر لا ُيحقق بالعتاد العسكري وحده ،بل بالقدرة على تحويل كل
عنصر في البيئة المحيطة إلى سلاح إستراتيجي .من حركة الشمس
واتجاه الريح إلى منسوب المياه ودورة القمر ،كل ظاهرة طبيعية
أصبحت جزًءا من آلة الحرب المصرية.
في ذكرى هذا النصر العظيم ،يجب أن نستلهم روح الابتكار والإبداع
التي مكنت القادة والجنود المصريين من تحويل التحديات الجغرافية
والمناخية إلى فرص إستراتيجية .هذه هي الإرث الخالد لنصر
أكتوبر :إن الإرادة البشرية المدعومة بالتخطيط العلمي الدقيق يمكنها
أن تتحدى قوانين الطبيعة ،وتصنع المستحيل.
45

