Page 51 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 51

‫أما صحراء سيناء فوّفرت عمًقا ومساحة مناورات للدروع‬

‫الإسرائيلية‪ ،‬الأمر الذي استوعبه التخطيط المصري باعتماد هدف‬          ‫أ‪.‬د‪ .‬محمد الخزامي‬
‫محدود‪ :‬تثبيت رؤوس جسور بعمق يقارب ‪ 12–10‬كم شرق القناة‪،‬‬

‫تحت مظّلة الصواريخ أرض‪-‬جو التي ُحّدد مداها بدقة من واقع‬             ‫دور الجغرافيا والخرائط في حرب ‪ 6‬أكتوبر ‪1973‬‬
‫الخرائط ومساحات التغطية‪ ،‬لتقليص تأثير التفوق الجوي الإسرائيلي‪.‬‬
‫هذا المنطق تظهره مصادر عسكرية ودراسات حديثة‪ ،‬وتشير إليه‬                                                                                 ‫تمهيد‬

                                                                             ‫لم تكن حرب ‪ 6‬أكتوبر ‪ 1973‬مجرد مواجهة نارية‪ ،‬بل كانت‬
                                                                             ‫امتحاًنا للجغرافيا العسكرية‪ :‬كيف ُتسَّخر الأرض والماء والطقس‬

    ‫أيًضا تحليلات أمريكية وإسرائيلية معاصرة‪.‬‬                        ‫والخرائط لفرض مفاجأة عملياتية‪ ،‬وتقييد الخصم‪ ،‬وتدمير تحصيٍن‬

‫واختير شهر أكتوبر لاعتبارات طبوغرافية‪-‬جوية‪ :‬حرارة معتدلة‪،‬‬           ‫ُظّن يوًما أنه "لا ُيقهر"‪ .‬في هذا المقال المختصر نعرض أهم أبعاد‬

‫لياٍل أطول تسّهل أعمال الجسور‪ ،‬ومٌّد وجزر مناسب‪ ،‬وتزامٌن مع‬         ‫دور الجغرافيا والخرائط في التخطيط والعبور والخداع والمناورة‪،‬‬
‫عيد الغفران بما حّد من يقظة التعبئة الإسرائيلية‪ .‬حتى ساعة الصفر‬                                                     ‫مع شواهد موثقة‪.‬‬

‫(‪ 14:00‬تقريًبا) ُحسبت فلكًيا لتكون الشمس خلف المهاجمين وعلى‬
‫وجوه المدافعين‪ ،‬ولتوفر إضاءة كافية لبناء المعابر ثم ظلاًما يحمي‬
‫التقدم الليلي‪ .‬هذه العناصر وردت في الشهادات والدراسات التي‬

                               ‫وّثقت قرار التوقيت وإدارة المفاجأة‪.‬‬

‫ثانًيا‪ :‬الخرائط والاستخبارات الجغرافية في الإعداد‬

‫اعتمدت مصر على صور جوية وخرائط تفصيلية ونماذج مجّسمة‬                ‫خريطة للتحركات العسكرية على الجبهة المصرية في‬
‫للمسرح‪ُ ،‬جمعت وُطّو رت خلال حرب الاستنزاف وما بعدها‪ ،‬لتحديد‬         ‫حرب أكتوبر (‪ 13–6‬أكتوبر ‪ )1973‬تظهر عبور‬
‫توزيع الحصون وميادين الرمي وممرات الحركة ونوعية تربة‬                ‫القوات المصرية لقناة السويس وانتشارها في شرق‬
‫الساتر‪ .‬هذا التحضير مّكن سلاح المهندسين من تجريب وسائل‬
‫اختراق الساتر في ميادين تشبه الواقع تماًما‪ ،‬قبل اعتماد الحل‬                 ‫سيناء‪ ،‬وكذلك الهجوم الإسرائيلي المضاد لاحًقا‪.‬‬
‫الهيدروليكي (مضخات المياه) رسمًيا‪ .‬وتوّثق مصادر متعددة أن‬
‫المقترح تقنًيا قّدمه الضابط المهندس باقي زكي يوسف‪ ،‬وأن الجيش‬                     ‫أواًل ‪ :‬الجغرافيا الطبيعية وتأثيرها على الخطة‬
‫استورد ووّفر مضخات بريطانية وألمانية عالية الضغط‪ ،‬فتحّددت‬
                                                                    ‫شّكلت قناة السويس أعقد عائق مائي في مسرح العمليات؛ إذ ارتكزت‬
                        ‫أعداد المضخات وزمن فتح الثغرات علمًيا‪.‬‬      ‫إسرائيل على ضفتها الشرقية لبناء خط بارليف‪ ،‬بساتر رملي ضخم‬
                                                                    ‫ونقاط حصينة وحقول ألغام وخنادق مضادة للدبابات‪ .‬ورغم أسطورة‬
                                                                    ‫"المناعة"‪ ،‬أثبتت الوقائع أن خط بارليف كان قاباًل للاختراق حين‬

                                                                                                 ‫تتوافر مباغتٌة ووسائل هندسية مناسبة‪.‬‬

‫‪47‬‬
   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56