Page 54 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 54
الطريق إلى العبور :كواليس
قرار الحرب أكتوبر 1973
د .انتصار محمد لم يكن السادس من أكتوبر عام 1973يومًا عاديًا في تاريخ مصر
والأمة العربية ،بل كان تتويًجا لسنوات طويلة من الصبر والإعداد
كانت حرب أكتوبر 1973هي بداية تدمير نظرية الأمن والتخطيط ،فطريق العبور لم يبدأ مع دقات الساعة الثانية ظهًر ا ،بل
الإسرائيلي ،نظًر ا لفاعلية خطة الخداع الإستراتيجي .فقد واكب الإعداد بدأ قبل ذلك بسنوات ...فكان النصر الذي حققته مصر في حرب
والتخطيط القتالي للحرب وحتى صباح يوم الحرب خطة موازية للخداع أكتوبر 1973واحًدا من أعظم الإنجازات العسكرية في القرن
الإستراتيجي على الأصعدة السياسية العسكرية والاقتصادية العشرين ،ولم يكن ليتحقق لولا عنصر المفاجأة الذي لعبت فيه
والاجتماعية داخلًيا وخارجًيا .ويمكن القول إن النجاح الكبير الذي حققته الأجهزة المصرية دوًر ا محورًيا .فالمعركة لم تكن فقط مواجهة
هذه الخطة كان هو أول مفاتيح النصر ،فقد ظلت القيادة الإسرائيلية غير عسكرية على الجبهة ،بل كانت أيًضا حرب عقول وخداع إستراتيجي
متيقنة من حدوث حرب شاملة حتى مساء يوم 4أكتوبر ،وتمثلت خطة
الخداع الإستراتيجي في قيام الرئيس السادات بجولة حملته إلى المملكة استمر سنوات طويلة قبل لحظة العبور.
العربية السعودية وقطر وسوريا ،وكان توقفه في المملكة وقطر جزءا لم يكن قرار خوض حرب أكتوبر 1973قراًر ا عسكرًيا بحًتا ،بل
من خطة الخداع الواسعة التي كانت قد بدأت بالفعل ،والتي كانت تهدف كان ثمرة تفاعلات سياسية وإستراتيجية وأمنية معقدة ،امتدت عبر
إلى أن تترك الانطباع أن الرئيس السادات شأنه في ذلك شأن بقية اجتماعات مغلقة ،ومداولات دقيقة ،ومشاورات عربية عميقة ،فقد
استطاعت حرب أكتوبر 1973أن تحطم نظرية الأمن الإسرائيلي
المصريين يقوم برحلة عادية. التي ارتكزت على أسطورة "الجيش الذي لا ُيهزم" وعلى مفهوم
أما زيارته إلى سوريا؛ فكان هدفها أخطر بكثير؛ حيث اتفق "الحدود الآمنة" ،وهو ما ثبت بطلانه بعد أن اتخذت مصر وسوريا
الرئيسان السادات والأسد على استبعاد شهر سبتمبر موعدًا للمعركة، قرار المواجهة العسكرية .وقد شّكلت الحرب ضربة قاسية لأجهزة
وأن يبدأ الهجوم في وقت ما بين 10-5أكتوبر على أن يفوض الرئيس
السادات باعتباره قائد القوات الموحدة في اختيار اليوم الموعود. الاستخبارات الإسرائيلية التي فشلت في توقع الهجوم،
بالإضافة إلى التنسيق السياسي لإغلاق باب المندب ،وتأخير إغلاق فخ التعمية والخداع الإستراتيجي المصري-السوري ،الذي أخفى
المجال الجوي فوق مصر لآخر لحظة ،وتأخير إطفاء شعلات حقول توقيت الحرب حتى عن أقوى أجهزة المخابرات في العالم .ومن هنا
ُتعد هذه الحرب نموذًجا عملًيا لكيفية شل قدرات الاستخبارات
الغاز لآخر لحظة ،واستيراد ماكينات ضخ مياه فتح السواتر الرملية.
وكان أحد أكثر الجوانب لفًتا للانتباه في هذا التخطيط ،هو الدور المعادية وإفشال خططها.
الحيوي الذي لعبه جهاز المخابرات العامة المصرية في تضليل في يوم الأربعاء 22أغسطس عام ،1973اجتمع كبار المسؤولين
إسرائيل .فتم تنفيذ خطة خداع إستراتيجي لإيهام العدو أن مصر لا السياسيين والعسكريين من الطرفان المصري والسوري ،والتي
تنوي الدخول في أي مواجهة وشيكة .شملت هذه الخطة تسريبات استمرت لمدة ستة أيام ،وكان الهدف من الاجتماع تحديد الموقف
متعمدة ،وحركات ميدانية "روتينية" داخل القوات المسلحة ،مع سحب النهائي من شن الحرب ووضع اللمسات الأخيرة لحظة الهجوم على
ثم إعادة نشر للقوات بطريقة توحي بالتدريب وعمل المناورات
إسرائيل التى تحتل أرض سيناء المصرية والجولان السورية.
التدريبية ،وليس بالتحضير لهجوم فعلي. لم يكن الاجتماع سهاًل ؛ التوتر كان سيد الموقف ،والمخاوف من
الفشل أو العزلة الدولية كانت حاضرة في الأذهان .ومع ذلك ،بدا أن
الرئيس السادات قد حسم أمره ،وكان يدفع باتجاه المواجهة دون
تردد ،مدعوًما برؤية تؤمن أن الفرصة قد تكون الأخيرة لاستعادة
الأرض والكرامة .متخذا أشد الاحتياطات لضمان عدم تسرب أي
إشارة إلى ما تحمله الرياح.
50

