Page 58 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 58
الوطنية كانت ولا زالت لها دور كبير في تعبئة الشعور الوطني في فالحديث عن الفن هو حديث التاريخ والسياسة والوطن ،فالفن هو بوتقة
جميع الأحداث السياسية ،كما لعبت الأغنية دوًر ا مهما في شحذ الإبداع ،ومرآة الشعوب بأفكارها وثقافتها وقيمها الحاكمة وأيًضا تاريخها،
الهمم والعزائم وتنمية الروح الوطنية لدى مختلف الأجيال، فالفنون ُتعد الأهم تأثيًر ا في تشكيل الوعي الجمعي للمجتمع ،كما أنها ُتسهم
واستطاعت أغاني النصر أن تجسد الملحمة الوطنية في حرب في نشر الوعي وتشكيل الهوية الوطنية للأطفال والشباب؛ مما يسهم في
أكتوبر المجيدة ،وفي اللحظات الاستثنائية في تاريخ الوطن دائمٍا تحقيق التلاحم الشعبي حول فكرة الوطن ،فلا يمكن أن ننسى دور الفن في
يستدعي الشعب بشكل تلقائي الأغاني الوطنية الراسخة في نصر أكتوبر؛ فقد كان الفن أحد أسلحة الدولة في رفع الروح المعنوية
الوجدان؛ والتي تتردد في ذاكرة الأمة ،لتلهم الأجيال الجديدة، للمواطنين وحشد الجهود والاصطفاف خلف الجيش والقيادة السياسية
آنذاك ،فالفن له دور مؤثر في شحذ الهمم ،كما ظل رفيًقا للشعب والدولة
وتذكرهم دائًما بأن بالإرادة والإيمان ،لا يوجد مستحيل. من النكسة إلى النصر ،فالفن من القوى الناعمة التي يجب توظيفه
وختاًما :أقول إن انتصار مصر في حرب أكتوبر لم يكن انتصاًر ا واستخدامه بشكل سليم ،فمما لا شك فيه أن الدراما الوطنية لها دورها
عسكرًيا أو سياسًيا فقط؛ بل كان انتصاًر ا للإرادة في مواجهة المحوري في حياتنا اليومية ،فمن خلالها يستقي الُمشاهد تاريخ مصر
الانكسار؛ والقوة في مواجهة الضعف؛ وللتحدي في مواجهة السياسي؛ فهي تقدم قراءة للتاريخ ،وتقوم بدور مميز في تعريف وتثقيف
محاولات الخضوع من قبل المتربصين ،فرغم استرداد الأرض من الأجيال بمن هم أبطالنا والقدوة لأبنائنا ،كما أنها تسهم في استعادة العديد
العدو الصهيوني ،فإن مصر ما زال يتربص بها الأعداء ،فنحن من القيم التي تعظم قيمة الهوية الوطنية المصرية من خلال تحفيز نزعة
خوضنا في سيناء في السنوات التسع الأخيرة حروًبا غير نظامية الولاء والانتماء في حب الوطن ،وخلق روح الوطنية داخل بيوتنا ،تلك
حروًبا ممولة بتمويلات ضخمة من دول تتمنى لنا الفشل في كل القيم التي رسختها مسلسلات على سبيل المثال( :رأفت الهجان ،وجمعة
مشروع تنموي ،فنحن نعيش الآن شكلا آخر من أشكال الحروب الشوان ،ومسلسل الاختيار مؤخًر ا) ،هذه القيم التي تقوم بدور مركزي في
حرًبا بأسلحة حديثة أخطر من الدبابات والمدرعات ،حربا إعلامية
ضخمة من خلال قنوات فضائية عديدة تستقطب من يؤمنون بالمال مواجهة الإرهاب والتطرف ثقافًيا وفكرًيا.
أكثر من إيمانهم بالوطن ،قنوات تستهدف زعزعة الثقة بين الشعب فالفنون وسيلة مهمة لتشكيل وجدان المجتمع ،وهى أحد مؤشرات التعبير
ومؤسساته السيادية؛ لذا يجب علينا أن نواجه هذه الحرب ،وهذا لن عن قوة الدولة في الحفاظ على هويتها الوطنية ،كما أنها تملك القدرة على
يتحقق إلا من خلال الإجماع القومي على الأهداف القومية العليا، إثارة الحماسة الوطنية؛ وخير مثال على ذلك أيًضا :الأغاني الوطنية التي
واستحضار حالة أكتوبر من تلاحم بين الشعب والجيش وقيادته تلعب دوًر ا مهًما في تعزيز روح الهوية الوطنية ،ودوًر ا تفاعلًيا في غرس
السياسية ،هذه الحالة التي أظهرت أصالة وعراقة المصريين؛ حيث المسؤولية الوطنية في نفوس الصغار والكبار ،وتشارك الناس حبهم
انصهر الكل في واحد ،والواحد كان ُيضحي من أجل الجميع؛ وانتماءهم لأوطانهم ،كما أنها فرصة للتعبير عن قيم الحب والولاء
فمصر كانت في عيون ،وفي وجدان ،وفي ضمائر كل أبناء والانتماء ورفع الروح الوطنية ،وقد ارتبطت الأغنية الوطنية المصرية
الشعب ،فسلاًما وتحية لكل الشعب المصري ولكل شهداء مصر بمحطات تاريخية وأحداث سياسية مرت بها مصر ،إلى أن أصبحت جزًءا
الأبرار على مدار التاريخ وفي كل معاركنا ،تحية إعزاز وتقدير من ذاكرة المصريين وأداة توثيق لكثير من المراحل التي أسهمت في
للقوات المسلحة المؤسسة العسكرية الوطنية الذين ضحوا ولا زالوا تشكيل وجدان الشعب المصري؛ أغنيات على سبيل المثال"( :بسم الله..
يضحون بأرواحهم الطاهرة ودمائهم الذكية فداًء لمصر وحفاًظا الله أكبر" التي أصبحت بمثابة النشيد الرسمي للعبور ،و"عاش اللي قال"
للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ،و"أم البطل" للفنانة شريفة فاضل ،التي
على أمن أراضيها واستقرار وسلامة شعبها. غنتها بعد استشهاد ابنها في الحرب ،فلامست قلوب كل المصريين) .هذه
الأغاني لم تكن مجرد أعمال فنية ،بل كانت تسجيًال صادًقا لنبض الشارع
المصري وفرحته الطاغية؛ فالأغنية الوطنية مكون أصيل وموروث ثقافي
حاضر لكل الأحداث التي مرت بها مصر ،فالأغنية
54

