Page 61 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 61

‫فعلي سالم في مسرحياته "أوديب أو البوفيه أو عفاريت مصر‬         ‫لقد رأوا أن الهزيمة لم تكن أكثر من إعلان عن سقوط أوضاع‬
‫الجديدة" يركز على الفساد الداخلي للمجتمع الذي يثمر‬            ‫قديمة كان لا بد لها أن تنهار‪ ...‬وضرب أمثلة بالعديد من مفكري‬
                                                              ‫سوريا الذين مثلوا هذا الاتجاه‪ ،‬واستعرض أسماء العديد من أدباء‬
                ‫بالضرورة فساد الحدود أو ما ندعوه بالهزيمة‪.‬‬    ‫مصر‪ ،‬الذين برزوا في هذا المجال‪ ،‬وعلى رأسهم توفيق الحكيم‬
‫ونجيب محفوظ لا يضيف جديدًا حتى أقبلت الهزيمة لتؤكد‬            ‫ونجيب محفوظ ولويس عوض ويوسف إدريس ولطفى الخولي‬
‫صدق نبوءاته في "ثرثرة فوق النيل" (‪ )1965‬التي تنبأ فيها‬        ‫ومحمود دياب وأحمد فؤاد نجم وعلي سالم وميخائيل رومان وألفريد‬
                                                              ‫فرج وسعد الدين وهبة وأمل دنقل وإبراهيم أصلان ويحيى الطاهر‬
                                        ‫بكارثة يونيو‪.1967‬‬     ‫عبد الله وغيرهم في مصر‪ ..‬لقد كانوا جميعًا يقومون بعملية تعرية‬
‫وميخائيل رومان في مسرحية "العرضحالجي" يناقش الوضع‬
‫الخارجي على ضوء الداخل‪ ...‬ويمزج بين حرية الإنسان‬                                                  ‫عنيفة وقاسية للمجتمع وأبنيته‪.‬‬
‫وحرية الوطن من موقع الطبقات الشعبية القادرة على صنع‬           ‫تلك هي الأصداء الرئيسية التي عرفها الأدب العربي المعاصر فيما‬
                                                              ‫بين يونيو ‪ 1967‬وأكتوبر ‪ ...1973‬لقد ترك حصاد هذه السنوات‬
                                                    ‫النصر‪.‬‬    ‫وجدانًا ممزقًا بين اليأس والأمل‪ ،‬بين الانكفاء على الداخل أو‬
‫وسعد الدين وهبة كانت مسرحيته "المسامير" صدى سريع‬              ‫الانبطاح على الخارج‪ ،‬بين اللامبالاة والانتماء‪ ...‬حتى كانت‬
                                                              ‫الحرب‪ ،‬وأدب الحرب هو العتاد الروحي الثقيل الذي يملك وحده‬
                      ‫للدعوة إلى حمل السلاح ودحر العدوان‪.‬‬     ‫إمكانات صياغة الوجدان العربي من جديد‪ ...‬وفي كل آداب العالم‬
‫وعبد الرحمن الشرقاوي في "وطني عكا" وألفريد فرج في‬             ‫صفحات رائعة يدعوها مؤرخو الأدب والنقاد "بأدب الحرب"‪ ،‬وفي‬
‫"النار والزيتون" جعلا من فلسطين محور الهزيمة والنصر‪،‬‬          ‫تاريخ كل الشعوب آيات من البطولة والمآسي التي تتحول بمداد‬
‫فسيناء ليست إلا تفصيلة في لوحة أشمل هي الوطن العربي‪،‬‬          ‫القلب والعقل الخلاق إلى فن مشارك في ميادين القتال‪ ،‬بين صفوف‬

    ‫والصراع مع إسرائيل ليس إقليميًا‪ ،‬وإنما هو صراع قومي‪.‬‬                        ‫الشعب‪ ،‬مشاركة حية فاعلة إيجابية إلى أبعد مدى‪.‬‬
‫وهناك القصصي الشاب ‪-‬آنذاك‪ -‬جمال الغيطاني الذي عمل‬             ‫ومنذ هزيمة يونيو تساءل الجميع‪ :‬ماذا بعد؟ وكانت هناك اجتهادات‬
‫مراسًال عسكريًا لجريدة الأخبار في الجبهة‪ ،‬أتاح له هذا الموقع‬  ‫رئيسية ثلاثة حاولت الإجابة عن هذا السؤال هي‪ :‬تحليل الماضي‬
‫الاستثنائي‪ ،‬بالإضافة إلى موهبته الأصيلة وفكره الاجتماعي‬       ‫والحاضر داخل الحدود انطلاقا من اليأس عند فريق‪ ،‬والثورة على‬
‫الواضح‪ ،‬أن يخرج مجموعة قصصية رائعة في مواجهة‬                  ‫النظام الاجتماعي عند فريق آخر‪ ،‬والمقاومة عند الفريق الثالث‪...‬‬
‫الحرب ومواكبتها‪ ،‬وهي مجموعة "أرض‪ -‬أرض"؛ حيث‬                   ‫كان الشارع الذي عبرت عنه بعض الأقلام السياسية الشجاعة قد‬
‫يواكب الغيطاني الأفراح والمآسي التي تتغلغل في نفس الجندي‬      ‫اختار "الحرب" عنوانًا لنضاله في المرحلة التالية للهزيمة‪ ،‬وكان‬
‫المصري‪ ،‬وهو بعد عضو في المجتمع الواسع إلى أن يصبح‬             ‫"الحل السلمي" عنوانًا موازيًا تجأر به الطبقات التي تملك ما يمكن‬
‫نفرًا في كتيبة‪ ،‬يواكب أشواقه وتطلعاته ووثباته وطموحاته‪،‬‬
‫مواكبة حية دافقة بحب مصر حبًا يدفعه للشهادة من أجل ترابها‬                                             ‫أن يحترق بنيران الحرب‪.‬‬
                                                              ‫وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا الصراع على الأدب والفن انعكاسًا‬
                                                   ‫الوطني‪.‬‬    ‫مؤثرًا واستأثرت قضية الديمقراطية بحيز ضخم من معاناة الكتاب‪،‬‬
‫ومن جيل الغيطاني برز يوسف القعيد الذي ألف روايتين‬             ‫وبرزت فكرة أن "من لا يمتلك حريته داخل الوطن لا يستطيع ان‬
‫مهمتين من أدب الحرب أولهما "يحدث في مصر الآن" التي‬            ‫يقاتل دفاعًا عن هذا الوطن" حتى صارت خطًا رئيسيًا ينتظم أعماًال‬
‫سجلت زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون لمصر عام ‪،1974‬‬
‫وعبر بالرواية عن مرحلة جديدة في تاريخ مصر التي رآها‬                                                 ‫كبيرة لكبار الكتاب وشبابهم‪.‬‬
‫القعيد تباع لأعدى أعدائها‪ ،‬فكانت رواية ذات طابع سياسي‬         ‫وكان من الطبيعي أن تتخذ أعماًال كثيرة من الحرب خامة حية لها‬

                          ‫مباشر تدين التبعية وتدعو للمقاومة‪.‬‬       ‫من هذا الموقع أو ذاك‪ ،‬وتختار الحرب طوق نجاة من الهزيمة‪.‬‬
‫والرواية الثانية هي "الحرب في بر مصر" التي كتبت عام‬
‫‪ 1975‬وتحكي عن فترة حرب أكتوبر وما بعدها‪ ،‬وحملت نقدا‬
‫اجتماعيا استهدف القيادة السياسية والعسكرية آنذاك؛ مما جعل‬

                               ‫الرقابة تمنع نشرها في حينها‪.‬‬

‫‪57‬‬
   56   57   58   59   60   61   62   63   64   65   66