Page 52 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 52
ووسع المصريون توظيف الجغرافيا خارج سيناء بإجراء حصار كذلك ،اسُتخدمت الخرائط لتقسيم واجهة القناة إلى قطاعات اقتحام
بحري إستراتيجي عبر السيطرة على باب المندب اعتباًر ا من 6–5 تتطابق مع مسؤوليات الفرق غرب القناة؛ فقّللت مصر الحاجة إلى
أكتوبر؛ إذ تمركزت وحدات الأسطول المصري في جنوب البحر حشود لافتة قبل الحرب ،وبقيت التحركات ضمن "النمط المعتاد"
الأحمر لمنع الملاحة الإسرائيلية شمااًل ،وهو ما وّثقته مصادر بحرية الذي رصده الاستطلاع الإسرائيلي .وقّدمت دراسات الخداع صورة
متماسكة عن هذه الفكرة :إظهار وضع دفاعي ثابت ،وتوظيف
غربية معتبرة.
خامًسا :مواجهة العوائق الجغرافية في تحصينات العدو تدريبات عبور متكررة كغطاء لحشد حقيقي.
اعتمدت إسرائيل في تحصيناتها على الساتر الرملي المرتفع ثالًثا :عبور القناة وتدمير خط بارليف -حين تصبح المياه سلاًحا
والمنحدر الحاد ،والحقول والألغام والشبكات الخرسانية ومواضع في الساعة 14:05يوم 6أكتوبر بدأ القصف التمهيدي المدفعي
النيران ،ضمن تصور بأن القناة "أفضل خندق مضاد للدبابات في والجوي ،ثم اندفعت موجات المشاة في خمسة قطاعات رئيسية
العالم" .لكن البديل الهندسي المصري نسف تلك المعادلة :تحويل واثنتي عشرة موجة اقتحام .عبر نحو 32-30ألف مقاتل الساتر أول
الماء إلى معول ،وتوزيع الثغرات على طول الجبهة لتفكيك الدفاع ساعات ،وُأنشئت رؤوس الجسور ،فيما كان المهندسون يفتحون
إلى جزر معزولة ،ثم الهجوم بالنقاط :تطويق الحصون ومعالجتها عشرات الثغرات بالمضخات وُيقيمون الكباري العائمة قطعًة وفق
واحًدا واحًدا .تسرد الموسوعات والدراسات تفاصيل مواد البناء تصميمات تسمح بإصلاح سريع إذا تعّر ضت لضربات جوية .بحلول
وزوايا الميل وارتفاعات الساتر وتكلفته ،وكيف انهار المنظومة المساء كانت الدبابات والمدرعات تتدفق شرًقا .وُتجِم ع المصادر على
بمجرد إخلال مفاتيحها الجغرافية (الساتر /الماء /المسافة). أن الساتر انهار خلال ساعات ،وسقطت أغلب النقاط القوية (مع بقاء
وفي العمق ،حّددت الخرائط مدى مظلة الدفاع الجوي لتثبيت القوات
داخل الشريط المحمي .وحين جرت محاولة "تطوير الهجوم" خارج "بودابست" مثاًل محاصًر ا) وتحقق تفكك خط بارليف.
المظلة ،دفعت القوات المصرية ثمًنا ،ما رّسخ الدرس :لا ُتعاِند تفصيًال ،تشير المراجع إلى أن المصريين أحدثوا أكثر من 80–70
قوانين المكانُ .تبرز الروايات العملياتية هذا التوازن بين الشجاعة ثغرة في الساتر في يوم القتال الأول ،بضخ مائي عالي الضغط أزال
ملايين الأمتار المكعبة من الرمال المتماسكة .والجدير أن هذا
والانضباط الجغرافي. الأسلوب لم يكن أسرع وأقل كلفة بشرية فقط ،بل قّلل أيًضا من
سادًسا :أمثلة ميدانية -المزرعة الصينية -نموذًجا
تكشف معركة المزرعة الصينية شرق القناة ( 16-15أكتوبر) قيمة استخدام المتفجرات قرب قوات العبور.
التفاصيل المكانية الصغيرة :قنوات رّي جافة ،ومصارف ترابية، ولحماية سطح القناة من خطة "جدار النار " (أنابيب نابالم تحت الماء
وخطوط أشجار؛ تحولت إلى شبكة خنادق طبيعية أتاحت للكمائن لإشعال السطح)ُ ،نّفذت عملية هندسية /بحرية استباقية لسّد الفّو هات
المصرية بالأسلحة المضادة للدروع الاقتراب من الدبابات الإسرائيلية وتعطيل الشبكة ،ما أفقد إسرائيل إحدى أدوات الردع المرتبطة
لمسافات قاتلة .لاحًقا استغل الإسرائيليون القنوات نفسها في التحصن بطبيعة المانع المائي .تذكر شهادات مصرية وإعلام دولي تفاصيل
المضاد .هذا التفاعل "الدينامي" بين الخريطة والتكتيك وّثقته دراسات
هذه الإجراءات ضمن ملف تجهيزات العبور.
عربية وغربية ،وُيعد من أعنف معارك الحرب. رابًعا :الجغرافيا كأداة للخداع الإستراتيجي
وتكرر المنطق ذاته في اقتحام النقاط الحصينة" :قراءة دقيقة لخريطة
كل حصن (مداخل /مخارج /مرتفع ومنخفض) ،هجوم متعدد استثمرت مصر خصائص المكان في خطة خداع مرّكبة:
الاتجاهات ،وقطع طرق الانسحاب .والنتيجة :تفكيك خط متصل إلى الإيحاء بدفاٍع ثابت عبر سواتر خلفية وتمركزات "روتينية"
مواقع معزولة ُتستنزف وتسقط بالتتابع ،مع بقاء مواضع محدودة مناورات ُمعلنة ُقبيل الحرب (مشروعات تدريب) لتبرير الحشد
(مثل بودابست) حتى مراحل لاحقة. الحقيقي.
تمويه هندسي :نقل القوارب والجسور لياًل ،إخفاؤها تحت
48 مظلات بالية ،استخدام شاحنات مدنية وشعارات شركات،
وتصميم هياكل دبابات خادعة قرب الجبهة.
ُتظهر دراسات الخداع أن الهدف كان "تقليص نافذة الإنذار" لدى
العدو كي يتأخر القرار ،ويقّل زمن الاستجابة .وقد اعُتمدت المظاهر
الجغرافية (قرب-بعد ،حركة ليلية ،مناطق تخزين صحراوية) كجزء
أصيل من الخطة.

