Page 61 - Demo
P. 61

ما يلفت في هذه الرسالة المؤثرة هو شجاعة المؤمنين في وجه الموت، لأنهم خدموا الجميع، من مسيحيين ووثنيين، من دون قلق على خطر فقدان حياتهم، رغم أنهم أخذوا الوقاية اللازمة. تؤكد المعرفة الطبية اليوم الحكمة القديمة التي مفادها أن تقديم المساعدة الأساسية لشخص يعاني من أي وباء سيزيد بشكل كبير من فرص شفائه، لأن هذايرفعمعنوياته،ويشّددجسدهلمحاربةالمرض.قام المسيحّيونبأعمالبسيطةولكنبصلاة،مثلتوفيرالمأوى، وتضميدالجروح،وإعطاءكوبمنالحساءالساخن،أو حتى«كأسماءبارد»(متى42:1٠).كانتأعمالالرحمة والمحبةهذه،علىبساطتها،الحّدالفاصلبينالموتالمحتّم للمصابين،وزيادةفرصبقائهمعلىقيدالحياة،فتّمإنقاذ العديدمنهم.هكذاشهدالمسيحّيونلمسيحهم،وكانواأمناء له حتى الموت. صدمت أعمالهم المفعلّة بالإيمان بالمسيح القائم المجتمع الوثني، فأ ّدت إلى انضمام أعداد لا تُحصى
من الوثنيين إلى المسيح. كيفنفتحأبواببيوتناالمغلقة،لنشهداليوملإيماننا
بقيامةالمسيح؟إذاأردناأننقارنبينمحنتناالحالّية وحالتهمآنذاك،فإننانواجهشّدةأقلبكثيرمماواجهوه. نعم، نحن أمام وباء مميت. لكن لا يُطلب من أكثرية المسيحيين أن يرعوا أولئك المصابين بالوباء، مثلما فعل
|61
من باقي الناس، لأن المسيحيين كانوا قد خرجوا للتو من موجتين من الاضطهاد الوحشي تحت حكم الإمبراطور داكيوس (249-251)، ومن ثم فاليريان (253-259)، وقد قّدمواالكثيرومنالشهداءوالمعترفينالكبارفيذلكالعصر. يصف القديس ديونيسيوس موقف الكنيسة أمام الوباء، وكيف شارك المسيحيون مضطهديهم من خلال أعمال الرحمةالشجاعة،إذقال:«وبعدأناستمتعنابموسمقصير جًدامنالراحةمنالاضطهاد،هاجمناهذاالوباء-وهي مصيبةمرعبةحًقا(..)كانالكثيرمنإخوتنا،فيحّبهم المسيحي،لايألون ُجهًدافيالاهتمامبالمصابين،بلافتقدوا المرضى،دونأنيخافواعلىحياتهمالخاصةبسببهذا الوباءالمعدي،وخدموهمبجّد،وسهرواعليهم،وعملوامن أجلشفائهمبقوةالمسيح،معّرضينحياتهمللخطر،ولكن بفرح ومن دون قلق. وكثيرون من كهنة وشمامسة وإخوة ممن شاركوا في خدمة شفاء المرضى رقدوا بعد أن نقلوا إلى أجسادهم الموت الذي كان عليه إخوتهم الذي شفوا(..) ولميعالجوهمفقط،بلعملواأيًضاعلىدفنهمبشكل لائق.أماالوثنيون،فتركواالمرضىمنأقربائهموأصدقائهم معزولينعنهمليموتوا،وعندموتالمصابينتركوهمبدون دفن حتى لا يُصابوا بالوباء...» (القديس ديونيسيوس
الإسكندري، الرسالة 12، «إلى أهل الإسكندرية»).





























































































   59   60   61   62   63