Page 2 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 2

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

‫ولم يكد مصعب يأخذ مكانه‪ ،‬وتنساب الآيات من قلب الرسول متألفة على شفتيه‪ ،‬ثم آخذة طريقھا الى‬
                      ‫الأسماع والأفئدة‪ ،‬حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية ھو الفؤاد الموعود‪!..‬‬
                                   ‫ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه‪ ،‬وكأنه من الفرحة الغامرة يطير‪.‬‬

‫ولكن الرسول صلى ﷲ عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوھج‪ ،‬والفؤاد المتوثب‪،‬‬
‫فكانت السكينة العميقة عمق المحيط‪ ..‬وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة‬

                             ‫ما بفوق ضعف سنّه وعمره‪ ،‬ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان‪!!!..‬‬

                                               ‫**‬

      ‫كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتھا‪ ،‬وكانت تھاب الى حد الرھبة‪..‬‬
                          ‫ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظھر الأرض قوة سوى امه‪.‬‬

‫فلو أن مكة بل أصنامھا وأشرافھا وصحرائھا‪ ،‬استحالت ھولا يقارعه ويصارعه‪ ،‬لاستخف به مصعب‬
                                                                                         ‫الى حين‪..‬‬

                                                    ‫أما خصومة أمه‪ ،‬فھذا ھو الھول الذي لا يطاق‪!..‬‬
                                          ‫ولقد فكر سريعا‪ ،‬وقرر أن يكتم اسلامه حتى يقضي ﷲ أمرا‪.‬‬
‫وظل يتردد على دار الأرقم‪ ،‬ويجلس الى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‪ ،‬وھو قرير العين بايمانه‪،‬‬

                                                  ‫وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر اسلامه خبرا‪..‬‬

‫ولكن مكة في تلك الأيام بالذات‪ ،‬لا يخفى فيھا سر‪ ،‬فعيون قريش وآذانھا على كل طريق‪ ،‬ووراء كل‬
                                                   ‫بصمة قدم فوق رمالھا الناعمة اللاھبة‪ ،‬الواشية‪..‬‬

‫ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وھو يدخل خفية الى دار الأرقم‪ ..‬ثم رآه مرة أخرى وھو سصلي‬
‫كصلاة محمد صلى ﷲ عليه وسلم‪ ،‬فسابق ريح الصحراء وزوابعھا‪ ،‬شاخصا الى أم مصعب‪ ،‬حيث ألقى‬

                                                                    ‫عليھا النبأ الذي طار بصوابھا‪...‬‬

‫ووقف مصعب أمام أمه‪ ،‬وعشيرته‪ ،‬وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليھم في يقين الحق وثباته‪،‬‬
                         ‫القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبھم‪ ،‬ويملؤھا به حكمة وشرفا‪ ،‬وعدلا وتقى‪.‬‬

‫وھ ّمت أمه أن تسكته بلطمة قاسية‪ ،‬ولكن اليد التي امتدت كالسھم‪ ،‬ما لبثت أم استرخت وتن ّحت أمام‬
                  ‫النور الذي زاد وسامة وجھه وبھاءه جلالا يفرض الاحترام‪ ،‬وھدوءا يفرض الاقناع‪..‬‬

‫ولكن‪ ،‬اذا كانت أمه تحت ضغط أمومتھا ستعفيه من الضرب والأذى‪ ،‬فان في مقدرتھا أ‪ ،‬تثأر للآلھة التي‬
                                                                              ‫ھجرھا بأسلوب آخر‪..‬‬

‫وھكذا مضت به الى ركن قصي من أركان دارھا‪ ،‬وحبسته فيه‪ ،‬وأحكمت عليه اغلاقه‪ ،‬وظل رھين‬
‫محبسه ذاك‪ ،‬حتى خرج بعض المؤمنين مھاجرين الى أرض الحبشة‪ ،‬فاحتال لنفسه حين سمع النبأ‪،‬‬

                                              ‫وغافل أمه وحراسه‪ ،‬ومضى الى الحبشة مھاجرا أ ّوابا‪..‬‬

‫ولسوف يمكث بالحبشة مع اخوانه المھاجرين‪ ،‬ثم يعود معھم الى مكة‪ ،‬ثم يھاجر الى الحبشة للمرة‬
                                         ‫الثانية مع الأصحاب الذين يأمرھم الرسول بالھجرة فيطيعون‪.‬‬

                                                                 ‫‪2‬‬
   1   2   3   4   5   6   7