Page 3 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 3
www.islamicbulletin.comرﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ
ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة ،فان تجربة ايمانه تمارس تف ّوقھا في كل مكان وزمان ،ولقد
فرغ من اعداة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاھم محمد نموذجه المختار ،واطمأن مصعب
الى أن حياته قد صارت جديرة بأن تق ّدم قربانا لبارئھا الأعلى ،وخالقھا العظيم..
خرج يوما على بعض المسلمين وھم جلوس حول رسول ﷲ ،فما ان بصروا به حتى حنوا رؤوسھم
وغضوا أبصارھم وذرفت بعض عيونھم دمعا شجيّا..
ذلك أنھم رأوه ..يرتدي جلبابا مرقعا باليا ،وعاودتھم صورته الأولى قبل اسلامه ،حين كانت ثيابه كزھور
الحديقة النضرة ،وألقا وعطرا..
وتملى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم مشھده بنظرات حكيمة ،شاكرة محبة ،وتألقت على شفتيه
ابتسامته الجليلة ،وقال:
" لقد رأيت مصعبا ھذا ،وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه ،ثم ترك ذلك كله حبا ورسوله"!!.
لقد منعته أمه حين يئست من ر ّدته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة ..وأبت أن يأكل طعامھا انسان
ھجر الآلھة وحاقت به لعنتھا ،حتى ولو يكون ھذا الانسان ابنھا!!..
ولقد كان آخر عھدھا به حين حاولت حبسه م ّرة أخرى بعد رجوعه من الحبشة .فآلى على نفسه لئن ھي
فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه..
وانھا لتعلم صدق عزمه اذا ھ ّم وعزم ،فودعته باكية ،وودعھا باكيا..
وكشفت لحظة الوداع عن اصرار عجيب على الكفر من جانب الأم واصرار أكبر على الايمان من جانب
الابن ..فحين قالت له وھي تخرجھمن بيتھا :اذھب لشأنك ،لم أعد لك أ ّما .اقترب منھا وقال":يا أ ّمه اني
لك ناصح ،وعليك شفوق ،فاشھدي بأنه لا اله الا ﷲ ،وأن محمدا عبده ورسوله"...
أجابته غاضبة مھتاجة ":قسما بالثواقب ،لا أدخل في دينك ،فيزرى برأيي ،ويضعف غقلي"!!..
وخرج مصعب من العنمة الوارفة التي كان يعيش فيھا مؤثرا الشظف والفاقة ..وأصبح الفتى المتأنق
المع ّطر ،لا يرى الا مرتديا أخشن الثياب ،يأكل يوما ،ويجوع أياماو ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة،
والمتألقة بنور ﷲ ،كانت قد جعلت منه انسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة...
**
وآنئذ ،اختاره الرسول لأعظم مھمة في حينھا :أن يكون سفيره الى المدينة ،يفقّه الأنصار الذين آمنوا
وبايعوا الرسول عند العقبة ،ويدخل غيرھم في دين ﷲ ،ويع ّد المدينة ليوم الھجرة العظيم..
كان في أصحاب رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يومئذ من ھم أكبر منه سنّا وأكثر جاھا ،وأقرب من
الرسول قرابة ..ولكن الرسول اختار مصعب الخير ،وھو يعلم أنه يكل اليه بأخطر قضايا الساعة ،ويلقي
بين يديه مصير الاسلام في المدينة التي ستكون دار الھجرة ،ومنطلق الدعوة والدعاة ،والمبشرين
والغزاة ،بعد حين من الزمان قريب..
وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم ﷲ عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق ،ولقد غزا أفئدة المدينة
وأھلھا بزھده وترفعه واخلاصه ،فدخلوا في دين ﷲ أفواجا..
3