Page 11 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 11
إبداع ومبدعون 9 قراءة بديلة للتاريخ عبر منظور جديد .وتشير
رؤى نقدية الرواية إلى حالة التماهي بين شهرزاد ألف ليلة
قبل شهرزاد ،الساردة الرئيسة في الرواية ،التي وليلة وشهرزاد الرواية في أكثر من موضع،
ظلت تهيمن على السرد ،وعلى المنظور الساخر ومنها رد شهرزاد على نورية بغضب ،برغبتها في
القائم على المفارقة والتورية والكوميديا السوداء. مواصلة الكلام المباح حتى يأتي الصباح:
لذلك لم يكن من المتوقع أن يحمل عنوان الرواية « -العنطزة ضرورة ملحة عندما يكون القلب
اسم الحفيد الرقيب عبد الحليم شعيط ،الذي ظل محط ًما :فدعيني أتشبه بها حتى يأتي الصباح،
شخصية هامشية وسلبية ،وبعي ًدا إلى حد كبير
فأسكت عن الكلام المباح»( .ص )152
من خفة الظل وروح الانفتاح والمشاكسة التي تبدو الرواية في بدايتها وكأنها ذات بنية حكائية
طبعت شخصية شهرزاد ،والتي كان ينبغي أن
يحمل عنوان الرواية اسمها ،وربما يمثل عنوان شفاهية غير مبأرة ،وتحدي ًدا من خلال هيمنة
الفصل الثاني «شهرزاد التي رأت» ،الذي يفترض الراوي العليم الذي يوظف ضمير الغائب:
أن يكون عنوا ًنا للفصل الأول ،هو العلامة المميزة
«هناك ولدت شهرزاد إلى الجنوب من بغداد
للسرد الروائي بكامله .إ ْذ تحاول شهرزاد، والشمال من البصرة ..في المنطقة التي سميت فيما
أن تقدم سياحة أفقية وعمودية ،داخل المشهد
التاريخي الثقافي والاجتماعي والسياسي لفترة بعد بالناصرية ،نسبة إلى أمير عربي»( .ص )13
تمتد إلى ما يقارب القرن تقريبًا ،عبر منظور لكن السرد يتحول لاح ًقا إلى سرد مبأر من خلال
ساخر يعتمد بنية المفارقة الساخرة في الغالب، توظيف ضمير الغيبة (هو) الذي هو (أنا الراوي
وأحيا ًنا من خلال توظيف عنصر السخرية، الغائب) كما يذهب إلى ذلك تودوروف .ففي
والكوميديا السوداء .إذ تقدم لنا الرواية من خلال الفصل الثالث نجد حفيد شهرزاد عبد الحليم بن
شعيط ،الذي سينوب عن جدته شهرزاد في سرد
بطلة الرواية الرئيسة (شهرزاد) وقائع تاريخية
مهمة من تطور المجتمع العراقي منذ أواخر العهد مرويات وحكايات أخرى في منولوج داخلي:
«بومة ..كيف ضيعت تلك الفرصة من يدك قبل
العثماني (العصملي) وتأسيس الدولة العراقية، سنوات؟ في ذلك اليوم الأغبر الذي تحركت فيه
وظهور الراديو والإذاعة ،وصو ًل إلى سنوات الحافلة قبل أن يصلها ،كادت روحه أن تطلع فوق
الدكة الحجرية المخصصة للانتظار»( .ص)437
الاحتلال الأمريكي الأولى .وتحتل الاذاعة مكانة
خاصة في تشكيل وعي البطلة ،وبشكل خاص من وعبد الحليم ،ليس هو الوحيد
الذي يقدم مثل هذا السرد
خلال تعلقها بإذاعة (البي بي المبأر ،فمعظم شخصيات
سي) يوميًّا ،التي تعدها أوثق
مصدر لاستقاء أخبار العالم، الرواية الثانوية وبشكل خاص
شخصيتي الفنان (بدر) و(منار)
وهو موقف كان يشاركها
فيه العديد من السياسيين الموظفين في المكتبة الوطنية،
والإعلاميين والمثقفين العراقيين تقدمان مثل هذا السرد المبأر،
الذين كانوا يتباهون آنذاك
بالاعتماد على موثوقية ما تبثه في تناغم تعددي بوليفوني
هيئة الاذاعة البريطانية .لكن يجعل من الرواية
(شهرزاد) تطعن في فترات
أخرى بمصداقية البي بي فضا ًء للأسلبة اللغوية
سي وموضوعيتها ،وتتهمها والتعدد الصوتي،
بالانحياز إلى أعداء العرب في
معاركهم التاريخية الكثيرة .كما فض ًل عن هذا التوظيف
أن من أشكال المفارقة أن تحاول الحي للموروثات
والحكايات والأمثال
الشعبية العراقية من
ميسلون هادي