Page 159 - m
P. 159
157 تجديد الخطاب
ثلاث كلمات فقط ،كان ابن القرية عليه كثيرون في «سجستان»، القرية ،في قوله «أظنك أميًّا تحاول
والسيف على رقبته ولا يفرق وكان زعيم الثائرين عبد الرحمن البلاغة» ،إلا أنه سرعان ما يشفع
هذه الجملة بقوله «ولا يستصعب
بينه والموت إلا لحظة ،إلا أنه كان بن محمد بن الأشعث ،وانضم
يعتقد أنه ربما كتبت له كلمة أن إليه عدد كبير من الموالي والعرب، عليك المقال».
يقتنع الحجاج بتصديق موقفه وقد أعلنوا خروجهم على الحجاج ظل ابن القرية عند الحجاج،
واستبقاء حياته .فقال :لكل جواد وعن عبد الملك بن مروان .فأرسل ويو ًما فيو ًما صارت العلاقة
كبوة ،ولكل صارم نبوة ،ولكل صداقة وطيدة ،وإعجاب الحجاج
حليم هفوة .وما كاد يتم كلماته الحجاج صديقه وموضع ثقته به يزداد يو ًما بعد يوم ،حتى أنه
ابن القرية ،ليعقد معهم صل ًحا وثق فيه ثقة مفرطة وهذه نادرة
حتى أشار الحجاج للسياف ويأسرهم بلباقته وحسن حديثه قلَّما أن تحدث من الحجاج ،فكان
بقطف رأسه .وانتهت حياة ابن ومنطق لسانه .إلا أن كل هذا لم ابن القرية هو رسول الحجاج
القرية بكل ما فيها في الثاني عشر ُيجد ولم ينفع ،بل حدث ما لم يكن إلى الخليفة عبد الملك بن مروان،
في الحسبان ،فما إن وصل ابن وهو الوحيد الذي يئتمنه الحجاج
من صفر سنة 84هـ. القرية للقاء عبد الرحمن الأشعث، في هذه المهمة من كل النواحي،
وطارت سيرة ابن القرية الأفق حتى دعاه إلى ارتقاء المنبر وخلع ونال إعجاب عبد الملك بن مروان
وجابت الأقطار ،وصارت محو ًرا طاعة عبد الملك والحجاج وسبهما، أيما إعجاب لمنطقه وبلاغته ،مما
تنسج حوله الأساطير والقصص وإن لم يفعل فما له مصير إلا دفع الحجاج أن يوسع من دائرة
مهام وسفارات ابن ال ِقر َية ،فصار
الخرافية عند الفرس والترك القتل. المبعوث الرسمي للحجاج في كل
والعرب .ومنها :أن رأس ابن ولم ينفع حوار أو نقاش أو غير ما يتعلق بلباقة أو حضور بديهة
القرية عندما ُقطعت وسقطت على ذلك ،فاضطر ابن القرية أن ينفذ أو إقناع ذكي ،ظلت العلاقة بينهما
الأرض ،فإنها اتجهت نحو قدمي ما أمره به عبد الرحمن الأشعث، على هذا الحال الذي بلغ به ابن
الحجاج ،وانفتح الفم ،وانطلق القرية عنان السماء ،والذي لم
صوت ينذره بأنه سوف يموت وقد قرر أن يشرح للحجاج يكن يتوقعه أحد أن يكون ابن
بعد ستة أشهر ،وأنه سوف يقف الموقف ويبين له حقيقة الأمر القرية الأعرابي الأمي هو أبرز
أمام قضاء الجبار وس ُيسأل عن الذي ُفرض عليه ووضع فيه. رجال الدولة بعد الحجاج وهو
هذا الدم الذي سفكه دون ذنب. لكن الأشعث لم يكن بهذه البلاهة موضع ثقته الوحيد ومأمن سره.
وغير ذلك كثير من المختلقات التي تجعله يترك ابن القرية ولكن كثي ًرا ما تصح المقولة
عائ ًدا إلى حيث جاء .فاستبقاه «دوام الحال من المحال» ،وكثي ًرا
والمكذوبات ،ولعل ذلك كان عنده وجعله خطيبه وكاتبه الذي ما تصح شطرة بيت المتنبي
السبب في خطأ كبير وقع فيه يملي الرسائل ولا سيما رسائل «تأتي الرياح بما لا
بعض ممن ظنوا أن شخصية ابن السباب إلى الحجاج .ومضت فترة تشتهي السفن» أو
القرية غير حقيقية ولا أساس لها حتى تم النصر للحجاج ،وفتك «تجري الرياح بما
في الوجود ،ضاربين بذلك عرض بكل مقاوميه وأعمل فيهم أبشع لا تشتهي السفن».
الحائط بكل من كتبوا عنه وأ َّرخوا القتل والتنكيل .حتى جاء اليوم حدث هذا مع ابن
له ،وهم أقرب إليه عهدًا وزمنًا، الذي سقط فيه ابن القرية في يد القرية عندما
إلا أن هذا الكم من المنسوجات ثارت ثائرة
الخرافية جعلهم يعتقدون خرافية الحجاج. عنيفة ضد
الشخصية في حد ذاتها ،وهذا خطأ لم تنفع شروح ولا بيان لموقف، الحجاج وخرج
فادح لا أساس له من الصحة
أو العلمية المنهجية .فهذا هو ابن لم تجد الأعذار ولا التوسلات
ولا البراهين ،وأشار الحجاج
القِر َية ،وتلك كانت سيرته إلى السياف أن اقطع رأسه.
فاستمهله ابن القرية ريثما يقول