Page 157 - m
P. 157
155 تجديد الخطاب
د.أيمن عيسى
ابن ال ِقر َية..
خطيب بليغ قتله الح َّجاج
العرب لسا ًنا وأبلغهم وهو أمي. ولأنه كان أعرابيًّا فقد لقب أي ًضا هو أيوب بن زيد بن قيس،
وتبدأ رحلة ابن ال ِقر َية بعدما بـ»خطيب البادية» ،ولكن المفاجأة
أنه برغم كل ذلك وكل من شهدوا ويصل نسبه إلى عدنان ،وكنيته
اجتاحت صحراء شبه الجزيرة له أو كتبوا عنه ،إلا أنه كان أميًّا أبو سليمان ،وال ِقرية بكسر القاف
العربية مواسم من الجفاف،
لا يقرأ ولا يكتب! هو لقب أمه خماعة بنت ُجشم
على إثرها اضطر البدو للنزوح، مشرب الفصاحة والبيان عنده بن ربيعة ،واشتهر بنسبته إلى
فارتحلوا إلى أماكن عدة ،كان من إذن ،ليس قراءة ولا مدارسة ولا لقب أمه ف ُعرف بـ»ابن ال ِقر َية»،
بينها أرض الفرات التي وفد إليها علم ،مشرب فصاحته هو استقاء وال ِقر َية هي حوصلة الطير .عاش
الأذن ما تسمع وموهبة اللسان في العصر الأموي ،وكان يضرب
ابن القرية ومعه نفر من البدو، الفطرية ،هو حالة فريدة في تاريخ
وأقاموا في مكان اسمه «عين البلغاء والفصحاء ،أن يكون وصل به المثل في الخطابة والبلاغة
لهذه المنزلة في البيان والفصاحة والبيان ،فقيل في المثل «أبلغ
التمر» .والسبب في ذلك أن أمير وهو أمي لا يجيد قراءة ولا كتابة. من ابن ال ِقر َية» على غرار المثل
عين التمر كان يمد الموائد السخية ومع أنه حالة فريدة إلا أنه لم يكن العربي الشهير «أبلغ من قس
بد ًعا في هذا الأمر ،فهناك أعراب بن ساعدة» .وشهد له الأصمعي
صباح مساء ،يقبل إليها الناس بلغاء كثيرون وهم دون القراءة قائ ًل «أربعة لم يلحنوا في جد ولا
يأكلون ويشربون ما شاءوا .وفي والكتابة ،وكذلك بلغاء من أهل هزل :عامر الشعبي ،عبد الملك بن
يوم غريب جاء ابن القرية كعادته الحضر هم دون القراءة والكتابة، مروان ،الحجاج بن يوسف ،ابن
ل ُيط َعم ،فوجد الدار بلا موائد ولا وأبرز موطن للاستشهاد في هذه القرية» .وكذلك شهد له الجاحظ
وفود ،وإنما سكون وصمت ينبئ المسألة هو رسول الله أفصح بالفصاحة والبيان ومنطق
اللسان .وترجم له كثيرون منهم:
عن أمر خطير مؤسف. ابن خلكان ،ابن كثير ،الذهبي.
سأل ابن القرية عن السبب ،ولماذا
لا يطعم الأمير اليوم أح ًدا؟ فقيل
له «اغتم الأمير لرسالة وردت