Page 158 - m
P. 158
العـدد 58 156
أكتوبر ٢٠٢3
هذا الغضب لا يمكن أن يطمس الطريقة اللغوية التي أرسل عليه من الحجاج بن يوسف ،وهي
العجب والإعجاب بابن القرية، رسالته الأولى بها ،هو يريد هذا مكتوبة بلسان عربي غريب لا
وذلك ما يتضح في قول الحجاج، الداهية «فإذا نظرت في كتابي هذا يدري ما هو» .وأمير عين التمر
فبعد أن أدرك الحجاج بدهائه فلا تضعه من يدك حتى تبعث إل َّي يعلم جي ًدا مكر ودهاء الحجاج،
أن هذا الرجل لا يجيد القراءة بالرجل الذي صدر لك الكتاب».
والكتابة وكاد أن يصل به الحقد فلماذا يكتب إليه رسالة هي بكلام
والغضب إلى الحط من شأن ابن وهنا تبدأ رحلة ابن ال ِقر َية مع عربي غريب نادر الاستعمال لا
الحجاج ،التي لم يكن له مفر منها،
يفهمها من أرسلت إليه؟ أفيها أمر
أراد ابن القرية أن يتملص من بتنفيذ شيء؟ وما دام أمير عين
لقاء الحجاج الذي سمع عنه كثي ًرا التمر لا يفهم الكلام فإن ما فيها
وعن بطشه وجبروته ،لكن كيف سوف لا ينفذ ،فيأخذه الحجاج
حينئذ بالعقاب والنكال الذي قد
له أن يفر من لقاء الحجاج الذي يصل لقطع رقبته ،أ ًّيا كان فإن
يريده على جناح البرق .ذهب ابن الأمر غير محمود وهو أمر جلل
القرية معز ًزا مكر ًما للقاء الحجاج، يطير بالعقل.
ولما لقاه سأله الحجاج :ما اسمك؟ فلما رأي ابن القرية حيرتهم
وتطلعهم إلى من يحل رموز هذه
فقال :أيوب .قال الحجاج :اسم الرسالة ،قال :ليقرئني الأمير
نبي ،وأظنك أميًّا تحاول البلاغة، الكتاب ،وأنا أفسره إن شاء الله
ولا يستصعب عليك المقال .وكان تعالي .وسرعان ما ُنقل الخبر
إلى الأمير ،فدعاه على استعجال
لقاء جا ًّفا. وقرأوا عليه الرسالة ،ففسرها
وهنا يتضح شيء من الكمد كاملة .فقال له الأمير في عجل:
والغيظ عند الحجاج ،أن ُوجد من أفتقدر على جوابه؟ فقال :لست
هو يضاهي الحجاج لغة ومنط ًقا، أقرأ ولا أكتب ،ولكن أقعد عند
بل ويف ِّوت عليه ما أراده بأمير كاتب يكتب ما أمليه عليه.
عين التمر ويخرجه من مأزقه، وعندما وصل الرد إلى الحجاج،
لكن الحجاج ليس بأحمق بأن
يضيع هذه الفرصة من يده تملكه العجب ،واستولى على نفسه
وقد عثر على شخص مثل ابن معرفة هذا المتكلم القدير على
القرية ،حتى وإن كان على الحجاج ،فأرسل لت ِّوه يقول لأمير
حال غضب منه ،إلا أن عين التمر «أما بعد ،فقد أتاني
كتابك بعي ًدا من جوابك بمنطق
غيرك ،فإذا نظرت في كتابي هذا
فلا تضعه من يدك حتى تبعث إل َّي
بالرجل الذي صدر لك الكتاب،
والسلام» .فالحجاج داهية يعلم
جي ًدا أن ليس لأمير عين التمر
سبيل إلى الرد إلا بالاستعانة
بداهية في اللغة يعرف نادرها
وغريبها ،بل يرد عليه بنفس
الحجاج بن يوسف الثقفي