Page 11 - merit 50
P. 11
إبداع ومبدعون 9 والنابع من موهبة أصيلة هيَّأت له ذائقة مهذبة
رؤى نقدية صنعت منه ناق ًدا أدبيًّا مرمو ًقا.
كبي ًرا ،يجدر بنا أن نستذكره وننوه بقيمة إنجازاته. وكان لامتلاكه الموسوعية والمنهجية ،أن صارت
وإذا كان د.طه حسين قد أرسى أساسيات المنهج آراؤه موضوعية وتحرياته علمية ،وهو ينقب في
التاريخي؛ كي يج ِّسر المسافة بين التاريخ بمفهومه كتب الأقدمين الأدبية ،أو يمحص أخبار المؤرخين
التقليدي الذي عرفه النقاد الآخرون مثل الرافعي وأقوال الرواة ،معتم ًدا على ما لديه من ملكة لغوية
والزيات والعقاد ..وسواهم ،وبين التاريخ بمفهومه وسعة معرفية وبعد نظر فكري.
الحداثي الفرنسي ،فإن د.شوقي ضيف تلقف ولأن لآراء د.شوقي ضيف -وهو يحلل الظواهر
ويرصد قضايا الأدب -بعدين :معرفي وموضوعي.
المنهج الاجتماعي أداة مهمة تعينه على سبر أغوار غدا واح ًدا من مؤسسي الحداثة النقدية في العالم
الأدب العربي بعصوره المختلفة .فكان لا يبتدئ
بدراسة أي عصر أدبي إلا بعد أن يضع فرشة العربي ،متقد ًما الجيل الذي عاصره ،وعدته
غنية لأوضاع المجتمع العربي في ذلك العصر من التحديثية تتمثل في المنهجية الاجتماعية التي
استوعب مفاهيمها وأخلص في تطبيقها على الأدب
النواحي الحياتية المختلفة :سياسية وعقلية وعلمية العربي بمختلف عصوره وبيئاته ،راب ًطا بمنطقية
وأخلاقية ،ولم يترك شاردة ولا واردة ذكرها وعلمية الأسباب بالنتائج والجزئيات بالكليات.
الأقدمون عن طبيعة ذلك المجتمع إلا وم َّر بها، فكان الحذق والمنعة هما السمتان اللتان صبغتا
مؤلفاته النقدية بصبغة ثقافية وفكرية ،وهو ما
كما كان كثير الاهتمام بالربط بين البيئة والأدب، جعلها محط اهتمام الباحثين ،تجذب أنظارهم
حري ًصا على تتبع المؤثرات المجتمعية وما تسفر عنه نحوها بجديتها البناءة وتنويرية ما فيها من
استقراءات واستخلاصات وكشوفات اتسمت
من مظاهر شعرية أو نثرية ،وما تتركه من أبعاد
جمالية وموضوعية على الشعراء والأدباء ،متوص ًل بالتوسعة والامتداد.
-في كثير من الأحيان -إلى تحديد مسارات مدارس وما كان لشوقي ضيف أن يكون بهذه السعة
أدبية ،وربما تشييد مذاهب أو اتجاهات فنية معينة. الفكرية والموسوعية العلمية لولا أن الحقيقة كانت
مطلبه والمنهجية الاجتماعية وسيلته ،فواظب بجدية
وليس يسي ًرا بالطبع رصد كل ما ُكتب في تراثنا حتى أغدق على النقد العربي ثرا ًء بحثيًّا وعطا ًء نقد ًّيا
القديم إلى قيام النهضة الأدبية ،وكذلك ليس يسي ًرا
التصدي لما فيه من ظواهر أدبية واجتماعية ،ولكن
الدكتور شوقي ضيف وقف على بعض من ذلك
وبمساقات جديدة لم يسبق فرزها ولا الخوض
في مسالكها .وفي مقدمتها مسألة الطوابع الأدبية
الرسمية والشعبية ،والفرز بينها في الأدب العربي،
ونقدها نق ًدا
اجتماعيًّا من
خلال ربطها
بالواقع الحياتي
آنذاك ،وما
فيه من قضايا
مجتمعية
وظواهر فنية،
عزز تحليله
إياها بما كان
يستشهد به من
أبيات شعرية
وأخبار تاريخية.