Page 87 - merit 50
P. 87

‫نون النسوة ‪8 5‬‬                                        ‫هذه الحال وسي ًطا وليس مجرد حالة من الرصد‬
                                                     ‫المرتهن بالزمن القديم المعني أو بمرحلة معينة‪ ،‬بل‬
   ‫مباشر إلى ما تجن وتخفي في أعماقها من نقيض‬
   ‫ذلك كله من العنف والوحشية والجهل والرجعية‬           ‫يكون أقرب للوسيلة منه إلى الغاية‪ ،‬فلا تقتصر‬
                                                      ‫قراءة التاريخ أو مقاربته سرد ًّيا في هذه النماذج‬
                                      ‫والخرافة‪.‬‬        ‫الجديدة الثرية على الماضي بل تمتد إلى الحاضر‬
     ‫في القصة الأولى (البومة) حيث يقتل الأخ أخته‬   ‫وإلى المستقبل كذلك‪ ،‬بل إن الرؤية الإسقاطية أو غير‬
  ‫تتجلى ذروة هذه الوحشية وتتجلى ذروة الصدمة‪،‬‬       ‫المباشرة المرتبطة بالحاضر والمستقبل غالبًا ما تكون‬

      ‫وتتجلى نقطة التقاء المتناقضات‪ ،‬ونقطة التقاء‬             ‫هي الدلالة المركزية أو الغاية الأساسية‪.‬‬
‫الوحشية والبدائية مع الحضارة عبر أكثر من بؤرة‬        ‫في نمط آخر من التجديد كان الالتجاء إلى الفنتازيا‬
                                                     ‫والغرائبية ليس لذاتهما فقط‪ ،‬أو بالأحرى ليس لما‬
     ‫كاشفة أو عبر أكثر من مظهر أو تج ٍّل إبداعي‪،‬‬
   ‫فقطاع الطرق لهم قوانينهم ونظامهم ومحكمتهم‬           ‫ينتج عنهما من جماليات خاصة أو لما لتكوينهما‬
                                                       ‫من أثر على المتلقي‪ ،‬ولكن كذلك وربما يكون هو‬
      ‫ونظامهم الصارم‪ ،‬والحقيقة أن هذه الصرامة‬      ‫الأهم لأن الفنتازيا والغرائبية قد يمثلان أو يشكلان‬
    ‫وذاك التنظيم المبالغ فيه من التحضر والاحترام‬      ‫سبي ًل مختلفة ومهمة لقراءة النفس الإنسانية أو‬
‫والتقديس لكبيرهم أو لكبرائهم في المجلس هو نسق‬          ‫الوعي بما فيها من التناقضات والغرائب وما في‬
                                                   ‫أعماق العقل البشري من معارف أسطورية وخرافية‬
                                                     ‫متجذرة‪ ،‬فهذه السبيل من تجاوز الواقعية بنمطها‬

                                                             ‫الحرفي والتقليدي إنما هو بالأساس نوع‬
                                                            ‫من العودة إلى الطبيعة الفنتازية والغرائبية‬

                                                                ‫الأصيلة والقديمة في الإنسان‪ .‬إنه أمر‬
                                                               ‫أقرب للعودة إلى البدائية الحقيقية التي‬
                                                             ‫تتوارى وراء قشرة الحضارة أو وراء ما‬

                                                                   ‫يتبدى من مظاهر التنظيم والمدنية‪،‬‬
                                                                      ‫فهذا النمط أو النوع من السرد‬
                                                                      ‫الباحث عن الخرافة والعجائبية‬
                                                                          ‫والفنتازيا وحفرياتها كلها‬
                                                                        ‫وأنساقها المستقرة في أعماق‬
                                                                          ‫المجتمع وفي أعماق طبقات‬
                                                                           ‫اللاوعي الإنساني هو في‬
                                                                       ‫الأصل قراءة مختلفة للإنسان‬

                                                   ‫الذي تتجذر فيه البدائية والوحشية والجهل‪ ،‬وتأكيد‬
                                                      ‫من هذا السرد على الطبيعة البدائية والوحشية في‬

                                                   ‫الإنسان‪ .‬والحقيقة أنها سبيل مختلفة وثرية وطريق‬
                                                    ‫فيها قدر كبير من الذكاء وربما هناك عوامل كثيرة‬
                                                     ‫دافعة في اتجاهها أو جعلتها حتميًّا في هذه المرحلة‬
                                                     ‫التي هيمنت فيها الصورة المتحضرة أو المصطنعة‬
                                                    ‫من التكنولوجيا والعلم والتطور‪ ،‬فكان هذا الارتداد‬

                                                       ‫نم ًطا من رد الفعل العكسي أو الفعل المضاد على‬
                                                        ‫هيمنة الحضارة الزائفة التي تؤشر بشكل غير‬
   82   83   84   85   86   87   88   89   90   91   92