Page 83 - merit 50
P. 83

‫نون النسوة ‪8 1‬‬                                              ‫الأجيال الجديدة على مر التاريخ هذه الدلالات‬
                                                       ‫الشعبية التي تضرب في عمق التاريخ الكوني لحياة‬
           ‫أسطورة العرسة‬
                                                            ‫البومة‪ .‬كما ُيضرب بها المثل في التشاؤم (زي‬
  ‫إن بدوي تعري ثقافة القرية الموروثة التي قيدتها‬          ‫البومة)‪ ،‬وقد ربطت الكاتبة بين العنوان وحكاية‬
  ‫عبر أزمنة مختلفة‪ ،‬فالقرية تعالج قضايا الحاضر‬
                                                            ‫القصة‪ ،‬فالحدث الرئيس في القصة هو انتشار‬
    ‫بأفكار ماضوية دموية‪ .‬ونلاحظ كذلك في قصة‬                 ‫الشائعات داخل المجتمع القروي بشكل واسع‬
   ‫العرسة‪ ،‬حيث تمثل العرسة طق ًسا ريفيًّا بامتياز‬          ‫وتصديقها‪ ،‬بل يمكن أن يتخذ المرء قرا ًرا يكلفه‬
‫يلجأ للأسطورة والخرافات الشعبية من أجل تبرير‬           ‫الكثير حياته –مث ًل‪ -‬ج َّراء تصديقه للمعتقد الشعبي‬
    ‫ما يحدث‪ ،‬فتقول في صدر القصة «الغرباء‪ ،‬يوم‬               ‫الأسطوري أو الخيالي‪ ،‬في ظل غياب العقلانية‬
                                                           ‫وتوسع الرجعية وانفلات الأفكار الظلامية التي‬
     ‫السبت قليلو البخت‪ ،‬بخطوة واحدة على أعتاب‬             ‫تقتل العقلانية منتصرة لجبروتها القديم‪ .‬فتقول‬
 ‫البلدة يعرفون أن النور قد حل‪ ،‬غيطان غلة‪ ،‬قرص‬              ‫الذات الساردة «حسين لم يكن يريد قتل سنية‬
                                                           ‫أخته التوأم‪ ،‬لكنها وضعت وجهه في الوحل‪ ،‬لم‬
     ‫شمس‪ ،‬فطير مشلتت‪ ،‬والكحل ممزوج بالفلفل‬                  ‫يعد له وجه من الأساس‪ ،‬أكله الناس بأعينهم‪،‬‬
   ‫والزيتون‪ ،‬بركاتك يا سيدي خالد‪ ،‬البلدة بأكملها‬
                                                              ‫أخته الأرملة في عز شبابها‪« ،‬لهطة القشطة»‬
    ‫تدق الأهوان‪ ،‬والغرباء يصطفون على جفنها في‬           ‫رفضت الرجوع إلى بيت أبيها‪ ،‬وقالت إنها ستربي‬
   ‫شارع طويل يصل إلى مقام الشيح ويلتف حول‬
‫الجبانة‪ ،‬يعرضون الغوايش والحناطير البلاستيكية‪،‬‬              ‫صغيرتها في بيتها»(‪ .)10‬تطرح الكاتبة في المقطع‬
  ‫الحمص والحلاوة والطراطير‪ ،‬يصطفون كغيرهم‬               ‫السابق صورة البومة‪ /‬العار في ثقافة القرية التي‬
   ‫من أبناء البلدة بالأكواز الملونة أمام أواني النابت‬  ‫تروج لمثل هذه العادات‪ ،‬وقتل الضحية التي تحاول‬
   ‫الكبيرة‪ ،‬يشربون الشاي الأحمر وسط الذاكرين‬
                                                             ‫مواجهة جبروت الواقع وقسوته باستمرارها‬
                                    ‫والزوار»(‪.)12‬‬          ‫في العمل من أجل ابنتها الصغيرة‪ ،‬وتقول أي ًضا‬
                                                           ‫«بالأمس سمع حسين هم ًسا يدور حول أخته‪،‬‬
      ‫النعش‪ /‬الخرافة الشعبية‬                             ‫همسة تؤكد أنها امرأة َع َز َبة‪ ،‬كيف يتركها أخوها‬
                                                         ‫هكذا‪ ،‬وهمسة تؤكد أنها ابنة ليل‪ ،‬تستقبل الرجال‬
  ‫وفي قصة النعش تقول الساردة‪« :‬في عز الصيف‪،‬‬             ‫في الظلام‪ ،‬عندما تنام ابنتها ويهدأ نقيق الضفادع‪،‬‬
 ‫انطفأت نقرة الظهيرة على خرطوم جدتنا‪ ،‬وجلسنا‬            ‫تسكن أعين القمر‪ ،‬اقترب حسين من سيدنا‪ ،‬وبكى‬
                                                       ‫بين يديه‪ ،‬يطلب السماح والتخلص من هذا الحمل‪،‬‬
    ‫أمام البيوت على حصائر من البلاستيك‪ ،‬نشرب‬            ‫كيف ينظر الناس في وجهه‪ ،‬كيف يستأمنونه‬
     ‫الشاي‪ ،‬عندما جاؤوا زم ًرا أرجلهم أعرض من‬              ‫على أبنائهم في المدرسة‪ ،‬لا يريد وصمة‬
     ‫الحطب‪ ،‬وفوق رؤوسهم‪ ،‬البوم‪ ،‬بدو كوحوش‬
   ‫لها رأسين تمشي على أربع‪ ،‬تعفر الهواء وتحيل‬                ‫العار هذه‪ ،‬يقول لسيدنا إنه سيربي‬
    ‫الزهور ترا ًبا‪ ..‬إن هناك وح ًشا حط على بلادهم‪،‬‬       ‫الصغيرة‪ ،‬لن يجعلها تشعر بالفضيحة‪،‬‬
    ‫سلعوة‪ ،‬تزحف فتطير التراب من تحتها وتدخل‬               ‫أرجوك يا سيدنا‪ ،‬اقبل الكفن‪ ،‬ربنا ما‬
‫البيوت والقبور‪ ،‬قالت امرأة‪ :‬إنها ليست سلعوة‪ ،‬بل‬         ‫يرضاش بالفضيحة»(‪ ،)11‬ترصد الكاتبة‬
  ‫نجم سقط من السماء‪ ،‬داخله وحش برأس طويل‪،‬‬
   ‫يمسك سو ًطا ويضربه في الطين فيسود الأرض‪،‬‬                ‫صورة حسين الأخ الذي راح يردد‬
  ‫ويجلد ظهور الرجال‪ ،‬البنات قالت إنها أمنا الغولة‬         ‫الهمسات الخائنة التي تلوك ألسنتها‬
     ‫والنساء قالت إنها أم قويق»(‪ .)13‬يطرح المشهد‬           ‫سيرة أخته سنية‪ ،‬محاو ًل مشاورة‬
   ‫السابق صورة السلعوة وأمنا الغولة وأم قويق‪،‬‬           ‫الشيخ‪ /‬سيدنا لقتل أخته وغسل عاره‬
‫فتمثل صورة الحكاية الخرافية في الموروث الشعبي‬
  ‫لدى أهل القرى‪ ،‬حيث تحاول الكاتبة أميرة بدوي‬                   ‫دون التأكد من حقيقة الأمر‪.‬‬
   ‫مقاومة الخرافة المتوطنة في رحم القرى المصرية‬
   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88