Page 219 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 219

‫‪217‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

 ‫ليعرف القارئ ما تقصده‬        ‫فى تحقيق العمل الأدبي عبر‬          ‫لما كانت هذه الصياغات‬
  ‫ذاته‪ .‬والقارئ فى كل مرة‬     ‫عملية ملء مواقع اللاحسم‪،‬‬      ‫اللغوية ترتد إلى أفعال الكاتب‬
   ‫‪-‬أثناء قراءته‪ -‬يعود إلى‬   ‫لأن القارئ يتفاعل مع العمل‬      ‫الأصلية‪ ،‬فإن إنجاردن يسلم‬
 ‫ينابيع معرفته الحادة‪ ،‬إلى‬
‫ما يعمل فى داخله‪ ،‬كوسيلة‬        ‫الأدبي بطرق شتى وعلى‬            ‫بأن الموضوعات القصدية‬
                                ‫مستويات شتى‪ ،‬وبالتالي‬            ‫الخالصة المستمدة تتخذ‬
    ‫فهم للتشكلات الثقافية‬        ‫فإن خبرة الذات القارئه‬         ‫مصدرها النهائي من هذه‬
‫الأكثر بع ًدا منه‪ ،‬فهو يصنع‬   ‫وتجاربها السابقة هى التي‬
                             ‫ستساعدها على هذه العملية‪.‬‬                       ‫الأفعال(‪.)18‬‬
   ‫التأريخ الجمالي الأدبي‪،‬‬     ‫ويشير (إنجاردن) إلى هذه‬        ‫ولكي يتم فهم العمل الأدبي‬
 ‫وليس هذا التأريخ معرفة‬
  ‫معينة‪ ،‬بل إنه التنبه الذي‬       ‫العملية بوصفها عملية‬          ‫يجب أن يتم فهم وحدات‬
   ‫لا يدعنا ننسى منبع كل‬      ‫إضفاء العيانية‪ ،‬إذ يعتقد أن‬        ‫المعنى السابقة (الجوانب‬
                             ‫القارئ يستطيع أن يميز بين‬        ‫التخطيطية) أو ًل‪ ،‬التي ينشأ‬
                  ‫معرفة‪.‬‬     ‫البنية التحتية والعمل المدرك‬    ‫عبر فهمها عدد لا نهائي من‬
     ‫إن القراءة الظاهراتية‬                                  ‫مواقع اللاحسم‪ ،‬ولا ُتملأ هذه‬
   ‫تكشف لنا الحركة التي‬        ‫من أجل أن يفصل الشيء‬          ‫المواقع إلا بالنشاط الإدراكي‬
  ‫بها نحقق عوالم الحقائق‬        ‫الجمالي عن الأشياء التي‬     ‫للذات القارئة‪ .‬فعبارات العمل‬
‫ودائرية العمل الأدبي الذي‬      ‫يصنعها الإنسان‪ ،‬لذا تمثل‬      ‫الأدبي لن تقول لنا كل شيء‬
   ‫بات ‪-‬بمعنى ما‪ -‬كل ما‬       ‫عملية إضفاء العيانية عام ًل‬      ‫داخل العمل ولن تحقق كل‬
 ‫يخطر فى الذهن من معا ٍن‬        ‫رئي ًسا لفهم العمل الأدبي‬   ‫الأشياء التي توجد بالعمل‪ ،‬بل‬
  ‫ودلالا ٍت تتفق مع تأويله‪.‬‬      ‫عنده‪ .‬ولعل هذا ما يدفع‬      ‫سنجد مواضع من اللاحسم‬
‫ومن ثم تصبح عملية الفهم‬         ‫الباحث إلى أن يقرر أنه لا‬       ‫تتميز بالإبهام تحتاج إلى‬
    ‫عملية مشتركة بين ما‬       ‫القارئ ولا النص‪ ،‬يستطيع‬         ‫تدخل من القارئ ليزيل هذا‬
 ‫ُيمنح من النص‪ ،‬أي إدراك‬          ‫أحدهما أن يحدد المعنى‬          ‫الإبهام ليصل إلى المعنى‪.‬‬
  ‫العلامات والدوال المكونة‬    ‫الموجود فى العمل الفني‪ ،‬بل‬    ‫ويميز (إنجاردن) بين نوعين‬
  ‫للنص‪ ،‬وما تمنحه الذات‬      ‫عملية الوصول للمعنى عملية‬        ‫من مواقع اللاحسم ينطوي‬
    ‫القارئة‪ ،‬عن طريق فهم‬         ‫مشتركة بينهما‪ ،‬فالنص‬         ‫عليهما العمل الأدبي‪ :‬أولهما‬
 ‫المقروء وتشغيل المعلومات‬     ‫يزود القارئ بالحدود التي‬       ‫يمكن إزالته أثناء القراءة من‬
    ‫المخزنة في الذاكرة من‬       ‫يعمل القارئ فيها خياله‪،‬‬       ‫خلال إسقاطات النص التي‬
    ‫تجارب سابقة وإعمال‬           ‫والقارئ يستخدم خياله‬        ‫تطرح حش ًدا من الاحتمالات‬
     ‫الخيال فى سد مواقع‬       ‫للإحاطة بهذه الحدود وسد‬          ‫التي بها يمكن ملء مواقع‬
  ‫اللاحسم‪ .‬فيصبح العمل‬        ‫مواقع اللاحسم النصية من‬            ‫اللاحسم‪ .‬والآخر‪ ،‬يكون‬
  ‫الأدبي نتاج عالم في وعي‬                                     ‫النص صامتًا إزاءه‪ ،‬حيث لا‬
 ‫القارئ‪ ،‬ويصبح المعنى ما‬           ‫أجل الوصول للمعنى‪.‬‬           ‫يشير إلى أية احتمالات أو‬
   ‫ينتجه القارئ من العمل‬      ‫وبذلك تصبح عملية القراءة‬      ‫إمكانات يمكن بها ملء مواقع‬
‫الأدبي‪ ،‬لا ما يضعه المؤلف‬                                     ‫اللاحسم أو إكمالها‪ ،‬وهكذا‬
                                ‫فى النقد الظاهراتي عملية‬       ‫تبقى دائ ًما مواقع فى العمل‬
                 ‫في عمله‬          ‫تملك‪ ،‬فالقارئ يكتسب‬           ‫الأدبي تعيّنها التام يكون‬
                                                             ‫متوق ًفا تما ًما على القارئ(‪.)19‬‬
                                ‫المعنى من دلالات لم تكن‬       ‫وبذلك يكون (إنجاردن) قد‬
                                ‫موجودة لديه‪ ،‬عبر عملية‬         ‫أعطى للقارئ دو ًرا إيجابيًّا‬
                             ‫الوعي والإدراك التي يمر بها‬
                              ‫أثناء القراءة‪ ،‬فالعمل الأدبي‬
                               ‫لا يعبر فقط عن نفسه‪ ،‬بل‬
   214   215   216   217   218   219   220   221   222   223   224