Page 270 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 270

‫العـدد ‪38‬‬                        ‫‪268‬‬

                                   ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

 ‫مدينة أبردين بأسكتلندا‪ ،‬بعد أن‬      ‫جريدة الأهرام بكل شغف‪ ،‬وإن‬      ‫الإعدادية‪ ،‬وفي إحدى الليالي عندما‬
  ‫تخرج من كلية الزراعة بجامعة‬      ‫كان يصعب عليَّ فهمها إلى ح ٍد ما‬       ‫كنت أستذكر دروسي‪ ،‬كنت‬
‫القاهرة‪ ،‬وهو من المهتمين بالأدب‬    ‫آنذاك‪ ،‬وكم تمنيت بشدة لقاء هذا‬
                                   ‫الرجل المتفرد صانع الاستنارة في‬    ‫أُدير مؤشر الراديو بين محطات‬
    ‫والمسرح والموسيقي والفنون‬                                         ‫الإذاعة كعادتي في كل مساء بلا‬
  ‫والثقافة عامة‪ ،‬وفي حقيقة الأمر‬                           ‫يوم ما‪.‬‬
                                        ‫لم تتحقق أمنية لقائي به إلا‬     ‫هدف محدد‪ ،‬ربما لأجد نشرة‬
    ‫أنني تعلمت منه الكثير في كل‬       ‫بعد سنوات طويلة حينما كان‬         ‫إخبارية أو تمثيلية أو أغنية أو‬
    ‫هذه المجالات آنذاك‪ ،‬وهو من‬        ‫على رأس المرافقين لأوركسترا‬     ‫غير ذلك لأستمع إليها‪ ،‬متحج ًجا‬
   ‫مريدي ومحبي حسين فوزي‪،‬‬               ‫الكونسرفتوار في رحلته إلى‬    ‫بأن هذا سيلطف من عناء ومشقة‬
 ‫وكنت أغار منه حيث كان يلازم‬            ‫فيينا‪ ،‬ثم أبردين بأسكتلاندا‬  ‫عملية مذاكرة الدروس الثقيلة على‬
 ‫حسين فوزي لأوقات أكثر مني‪،‬‬        ‫للمشاركة في مهرجانات للشباب‪،‬‬      ‫قلبي ونفسي‪ ،‬وأخي ًرا توقفت عن‬
  ‫حيث كنت مشغو ًل في تدريبات‬       ‫وكنت ضمن أعضاء الأوركسترا‪،‬‬         ‫البحث‪ ،‬واستقر المؤشر مصادفة‬
     ‫الأوركسترا التي لم أستطع‬      ‫وانتهزتها فرصة فكنت طوال أيام‬
     ‫الزوغان منها بسبب الرقابة‬        ‫الرحلة أراقبه وأتحين ال ُفرص‬         ‫عند موجه البرنامج الثاني‪،‬‬
    ‫المشددة من أستاذتنا الجليلة‬     ‫لأتحدث معه‪ ،‬وكان يحادثني في‬            ‫حيث كان يأتي منها صوت‬
    ‫الدكتورة سمحة أمين الخولي‬         ‫بساطة العلماء‪ ،‬حتى أنه كسر‬       ‫رجل يتحدث حول شيء ما عن‬
     ‫عميدة الكونسرفتوار آنذاك‪.‬‬           ‫بذلك حواجز المركز والسن‬       ‫الموسيقي‪ ،‬لا أعرف ما هو‪ ،‬ولم‬
 ‫بلغت بساطة حسين فوزي معنا‬            ‫كما كان يفعل مع كل الشباب‪،‬‬        ‫أُدرك الحديث عنه أي ًضا‪ ،‬ولكن‬
   ‫أنه حدثني وصديقي إسماعيل‬          ‫مفس ًحا المجال لعلاقات إنسانية‬   ‫ما جذب سمعي إليه‪ ،‬هو أسلوبه‬
  ‫عن ذكرياته مع رفيقه وصديقه‬             ‫وفنية يعتز بها كل من كان‬     ‫الشيق في الحديث‪ ،‬فكان يتحدث‬
   ‫المقرب المحبب إلى قلبه‪ ،‬توفيق‬                                       ‫اللغة العربية الفصحي ممزوجة‬
‫الحكيم‪ ،‬فقد كانا من ُكتاب جريدة‬                        ‫يتقرب إليه‪.‬‬       ‫بلغة عامية راقية تتسم بروح‬
   ‫الأهرام في نفس الوقت‪ ،‬وكنت‬              ‫لم أكن أغتنم فرص لقائه‬
    ‫محظو ًظا ج ًّدا في هذه الرحلة‬      ‫بمفردي‪ ،‬ولكن كان يلازمني‬                     ‫الفكاهة والدعابة‪.‬‬
‫بالتعرف إليه عن قرب وبشكل لم‬          ‫فيها صديق العمر الناقد الفني‬    ‫كان اسم المتحدث حسين فوزي‪،‬‬
                                       ‫إسماعيل عز الدين الذي كان‬       ‫عرفت ذلك في نهاية الحلقة‪ ،‬ولما‬
               ‫يكن في الحسبان‪.‬‬       ‫يدرس وقتها السياحة ويقيم في‬
    ‫وحالفني الحظ مرة آخرى في‬                                            ‫جذبني بشدة طريقة وأسلوب‬
    ‫أن ألتقي به ونلتقي به جمي ًعا‬               ‫أبو بكر خيرت‬           ‫حديثه الشيق الذي لم أفهم منه‬
     ‫في أمسية للاحتفال بالنجاح‬
                                                                          ‫شيئًا‪ ،‬وصوته الذي ُيشعرك‬
      ‫الذي حققه الأوركسترا في‬                                           ‫بال ُألفة والطيبة والمودة‪ ،‬وكأنك‬
    ‫رحلته‪ ،‬كما حضره الأستاذة‬                                         ‫تعرفة من زمن بعيد‪ ،‬بدأت متابعة‬
  ‫الدكتورة عائشة صبري عميدة‬                                             ‫برنامجه‪ ،‬وتوالت لقاءاتي معه‬
     ‫كلية التربية الموسيقية آنذاك‬                                       ‫عبر أثير الإذاعة‪ ،‬ولم تكن هذه‬
‫والفنان الموسيقار مدحت عاصم‪،‬‬                                           ‫اللقاءات مصادفه كالمرة الأولى‪،‬‬
 ‫وبطبيعة الحال د‪.‬سمحة الخولي‬                                           ‫ولكنها أصبحت لقاءات متعمدة‬
‫والفنان جمال عبد الرحيم وأمين‬                                           ‫وعادة ملحة عندي‪ ،‬فمن خلال‬
   ‫المعهد الأستاذ فهمي منصور‪،‬‬                                          ‫أحاديثه وتفسيراته وشروحاته‬
‫وأعضاء هيئة التدريس والطلاب‪،‬‬                                            ‫في الفنون والثقافة فتح أمامي‬
     ‫وقد أسعدني أن تطلب مني‬                                             ‫بعد عناء الفهم نافذة على عالم‬
   ‫د‪.‬سمحة أن ألقي كلمة ترحيب‬
                                                                           ‫عبقري فسيح وجديد مليء‬
                                                                         ‫بالسحر والتأمل والخيال‪ ،‬ثم‬
                                                                      ‫بدأت أتابع مقالاته الأسبوعية في‬
   265   266   267   268   269   270   271   272   273   274   275