Page 43 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 43
41 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
وليد علاء الدين محمد بركة إذ يكون السؤال الأعظم :ماذا لو لم تكن تلك هي
السيرة الحقيقية؟ ماذا لو ُز ِّيف هذا التأريخ؟ ماذا
التقديس عند هؤلاء ،فمث ًل جرب –كما فعل ُت قبل لو ت َّم محاباة تلك الشخصية؟ الأمر الذي يدفعه
سنوات -واكتب رأ ًيا مخال ًفا في أدب نجيب محفوظ إلى طرح جديد حول ما يكتب ،لا يثق في أي شيء
أو شعر أدونيس ،ستقوم ال ُدنيا ،وستكون جريمتك إلا خياله وموهبته ،وهو ما يورده موارد التهلكة
الوحيدة أن لك رأ ًيا يحمل وجاهة أو منط ًقا مخال ًفا في بعض الأحيان ،خاصة حين يتصادم ذلك مع
لما درج عليه اعتقاد هؤلاء. سدنة التراث أو من جعلوا من أنفسهم حماة
معبده ،ووقفوا أنفسهم للدفاع عن تقديسه ،وما
حانة الست وإزالة ال ُعصابة عن العين هي إلا أيام بعد أن يطرح الروائي سرديته المتخيلة
تلك ،والتي يحاول فيها تقديم صورة غير مقدسة
قدم الروائي والكاتب المصري محمد بركة ،سر ًدا لتلك الشخصيات التراثية أو التاريخية ،إلا وهاجت
متخي ًل جدي ًدا حول شخصية أم كلثوم ،الشخصية
الدنيا ولا تقعد من هؤلاء ممن يظنون أنفسهم
الغنائية التي صارت تراثية بشكل ما أو بحكم أصحاب التراث المخولين وحدهم بحراسته وسدنة
التقادم المطرد في الزمن ،ولم يتوقف كثي ًرا على باب
القداسة التي ُخعلت على «كوكب الشرق» ،وقرر أن معابده.
ُيقدم سيرة ذاتية متخيلة لـ»الس ّت» لا تخضع إلا أن تكسر صن ًما
لمنطق واحد ،هو منطق الخيال ،لا منطق التاريخ،
وهو ما ألهب عقول «دراويش أم كلثوم» بالنار، تخيل معي مث ًل ،أن تكتب حد ًثا تاريخيًّا بشكل
بل وكأن الروائي في عمله الماتع ذلك د َّنس قد ًسا ُمتخيل ،فمث ًل تقول إن المصريين قاموا بغزو
من الأقداس ،وصرخوا في وجهه« :كيف تجرؤ قريش وأسسوا حضارة الفراعنة هناك! ستقوم
على المساس بقدسية صنمنا الذي عكفنا عليه؟!». الدنيا ولن تقعد تاريخيًّا ،وكذلك حسب منطق سرد
هل حاول هؤلاء قبل الهجوم قراءة العمل؟ أو هل
عرفوا أول قاعدة عند قراءة الرواية ،وإنها عمل التراث البشري للمنطقة ،هذا أمر مغلوط بالطبع،
لكن من وجهة نظر الرواية هو أمر لا غبار عليه،
يمكن أن ينفتخ الخيال على أكثر من الواقع التراثي
بما يكون صاد ًما ،ما دام السرد ابن الخيال ،ولكن
التاريخ ابن الحقيقة ،وما يحدث من لغط وثورة
سدنة التراث و ُعبَّاد أصنامه إنهم لا يعون الفرق
بين السردين؛ التاريخي والروائي ،فيقعون في جهل
دامغ ،فشتان بين ما يكتبه المؤرخ وبين ما يكتبه
الروائي ،ولنأخذ مثا ًل لذلك في رواية «كيميا» لوليد
علاء الدين والصادرة في 2019عن دار الشروق
بالقاهرة ،قدم الروائي سر ًدا روائيًّا متخي ًل لكنه
مخالف للسرد التاريخي ،وهو ما أغضب بعض
مجاذيب جلال الدين الرومي والتبريزي ،في حين
لم ُيدركا حقيقة ما قدمته رواية «كيميا» ،وهاج
وماج البعض ،لأن الرواية طالت من تقديسهم
للرومي والتبريزي ،وكشفت وج ًها آخر لم يجر ْؤ
عليه هؤلاء ،والأمر مثله في النقد الأدبي والأكاديمية
الأدبية حين تنتقد أو تقول رأ ًيا يخالف هالة