Page 38 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 38

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪36‬‬

                                                    ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

  ‫إن الإحالة الداخلية للمقام في هذا النص‪ ،‬بتوزيع‬       ‫الثورة على تلك الذات‪ ،‬من خلال توظيف أجزائها‬
  ‫الخطاب على أجزاء الذات‪ ،‬أسهمت في تقديم نص‬                                              ‫المكونة لها‪:‬‬
‫ذي بنية مثالية‪ ،‬جعلت من الأفعال‪ ،‬التي راوح فيها‬
  ‫الشاعر بين الأمر والمضارعة‪ ،‬ترتفع بلغة النص‬                                   ‫حانت لحظة صحوك‬
  ‫ارتفا ًعا له ما يبرره‪ ،‬ليرسو في نهايته على ذروة‬                         ‫فانفض ما قد علق بصوتك‬

               ‫الإنشاد بقوله‪“ :‬فقد حان الوقت”‪.‬‬                                    ‫من أسوار الخوف‬
    ‫وقد يتعامل الشاعر مع هذا المقام بتوظيف هاء‬                                               ‫وجاهد‬
  ‫الغيبة‪ ،‬بد ًل من كاف الخطاب‪ ،‬كنوع من التمويه‪،‬‬
  ‫الذي يجعل من أجزاء تلك الذات‪ ،‬قاس ًما مشتر ًكا‬                        ‫كي لا تسقط في لغة لا تعرفها‬
‫عا ًّما بينه وبين المتلقي‪ ،‬من ذلك ما جاء في قصيدته‬                      ‫الآن تغادر ما قد علق بوجهك‬
                                                                        ‫من خوف ظل يزاحمك طوي ًل‬
                         ‫“سأفتح بابي لأخرج”‪:‬‬
                                   ‫كان يحلو له‬                                        ‫فإذا ما رواغك‬
                                                                                   ‫فحاول أن تسقطه‬
                              ‫أن يمارس وحدته‬
                                  ‫ثم لا يستحي‬                                          ‫وافتح عينيك‬
                                 ‫أن يغلق أبوابه‬                                     ‫فقد ضاق الوقت‬
                                                                              ‫وحاول أن تبقي منتب ًها‬
                             ‫وهو يجلس منزو ًيا‬                         ‫كيف ستفرغ ما ضاق بصدرك‬
                                ‫بينما كان ينظر‬                                  ‫كيف تحاول أن تحيا‬
                                                                               ‫فإذا ما انطفأ المصباح‬
                            ‫وجه أبيه على حائط‬
                              ‫منذ أن حطه فوقه‬                                                ‫فجاهد‬
                          ‫فلا زال يحمل في عينه‬                     ‫أن توقد ما يجعلك تواصل رحلاتك‬
                   ‫فوق ما كان يحمله من سؤال‬            ‫إنه يجعل ذاته في مقام المخاطب‪ ،‬من خلال كاف‬
                              ‫لماذا يقاوم فرحته‬             ‫الخطاب التي تتكرر‪ ،‬بإضافتها إلى المكونات‬
                            ‫وهو يخفي تقاسيمه‬                ‫الحسية؛ “ َص ْحوك”‪“ ،‬صوتك”‪“ ،‬وجهك”‪،‬‬
                           ‫ثم يضفي على وجهه‬            ‫“عينيك”‪“ ،‬صدرك”‪ ،‬ثم تأتي لفظة “رحلاتك”‪،‬‬
                           ‫بعض ما كان يحزنه‬            ‫لتعبر عن الحركة الكلية لهذه الأجزاء‪ ،‬فض ًل عن‬
 ‫إن الوجه‪ ،‬والعين‪ ،‬والتقاسيم‪ ،‬والوحدة‪ ،‬والحزن‪،‬‬      ‫الـ”أنت” المضمرة بعد الأفعال “تسقط”‪“ ،‬تعرفها”‪،‬‬
    ‫وغيرها من المكونات الحسية والمعنوية الواردة‬         ‫“تفرغ”‪“ ،‬تبقى”‪ ،‬تحاول”‪“ ،‬تحيا”‪“ ،‬تغادر”‪،‬‬
  ‫في النص‪ ،‬تختلط في مراميها بين الأب وبين ذلك‬        ‫والأفعال التي ظهرت فيها تلك الـ”أنت”‪ ،‬من خلال‬
 ‫الابن‪ ،‬الذي ينظر إلى صورته‪ ،‬وكأن الذات تتوزع‬          ‫كاف الخطاب‪“ ،‬يزاحمك”‪“ ،‬راوغك”‪“ ،‬يجعلك”‪،‬‬
‫من خلال هاء الغيبة بينهما‪ ،‬ليصبح غياب الأب هو‬            ‫ويحيط ذلك كله بأفعال الأمر التي يستثير من‬
 ‫غياب للابن‪ ،‬وهو ما يجعل تلك التفاصيل الحسية‬           ‫خلالها تلك المكونات الحسية‪ ،‬المتمثلة في الصوت‬
   ‫قاس ًما مشتر ًكا بينهما من ناحية‪ ،‬وبينهما وبين‬         ‫والوجه والعينين والصدر‪ .‬ومن هذه الأفعال‪:‬‬
    ‫المتلقي من ناحية أخرى‪ ،‬لتأتي جملة التساؤل‪:‬‬           ‫“انفض”‪“ ،‬جاهد”‪“ ،‬حاول”‪“ ،‬افتح”‪ ،‬وهو ما‬
  ‫“لماذا يقاوم فرحته وهو يخفي تقاسيمه”‪ ،‬جملة‬            ‫يؤدي إلى تلك اللحظة المضيئة في هذا المقطع من‬
‫مفصلية ينطلق من خلالها النص‪ ،‬ليصل إلى الجزء‬          ‫النص المتمثل في قوله‪“ :‬أن توقد ما يجعلك تواصل‬
               ‫الذي تفصح فيه الذات عن نفسها‪:‬‬               ‫رحلاتك”‪ ،‬وهي التي ُت ْسلِم حت ًما إلى النتيجة‬
                  ‫كنت أظن بأني سأملك صوتي‬
                           ‫فضاع الغناء وضع ُت‬                          ‫النهائية التي يختتم بها النص‪:‬‬
                      ‫وما كان لي أن أغادر بيتي‬                          ‫فابدأ كي لا تهدأ بعض الشيء‬

                                                                                     ‫وأعلن صحوتك‬
                                                                                     ‫فقد حان الوقت‬
   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43