Page 6 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 6
العـدد 34 4
أكتوبر ٢٠٢1
التحديث -التنوير ليس قراًرا فوق ًّيا، افتتاحية
ولا رغبة فردية ،لكنها نتيجة حراك
سمير درويش
مجتمعي شامل على المستويات
كافة ،ومشاركة واسعة من جميع رئيس التحرير
أطياف أي مجتمع ،دون قمع أو بدأ بمذبحة..
قهر أو إسكات وتهجير ومطاردة
“التنوير” المصري برعاية
المخالفين ،لأن الضمانة الأهم “المستبد” العادل!!
لاستمرار أي طفرة تحديثية هي
الحماية المجتمعية ،التي لا تتأ َّتى إلا
بإحساس كل فرد أنه شريك فيها
وضامن لاستمرارها.
لإقناع الناس بحرمة الخروج على الحاكم ولو أغلبية المثقفين يؤ ِّرخون لبداية التنوير
كان ظالمًا حسب الحديث الذي رواه مسلم
عن حذيفة بن اليمان الذي سأل النبي عما في مصر بالحملة الفرنسية عام -1789
،1801بما أحدثته من صدمة حضارية
يفعل إذا جاء حاكم ظالم ،فقال النبي :تسمع بانت في الفارق بين مجتمع عصري يعتمد
وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك على العلم والعلماء ،وآخر بدائي لا تزال
فاسمع وأطع ..وقد رواه الحاكم في المستدرك تشغله قضايا ضاربة في القدم ،ثم ما
أعقبها من ثورتي القاهرة ،والتظاهر ضد
وصححه ووافقه الذهبي والألباني. حكومة خورشيد ومطالبة الباب العالي
منذ اعتلائه عرش مصر مكث محمد علي بإقالتها ،والإتيان بمحمد علي واليًا يوم 9
قرابة السنوات الست يحارب المماليك الذين يوليو ،1805بعد أن أخذ منه الأزهريون
كانوا ينازعونه الحكم ،وقيل إنهم كانوا على وع ًدا بالحكم بالشريعة الإسلامية! المفارقة
اتصال بخورشيد باشا وبالإنجليز ،وكان أن هذا (الاتفاق) بين الشيوخ والعسكريين
الصعيد كله تحت قيادتهم و ُيغيرون تبا ًعا ظلت هي المعادلة التي تش ِّكل السلطة في
مصر حتى يومنا هذا ،الشيوخ بما يملكون
على بعض مناطق الدلتا ،لكنهم ضعفوا من (حق إلهي) مزعوم ،والعسكريون بما
تدريجيًّا بسبب حملات محمد علي التي لم يملكون من قوة ،استمرت المعادلة لأن ك ًّل
تتوقف عليهم ،وبعد موت قائدهم محمد بك منهما يحتاج الآخر :الشيوخ يحتاجون
الألفي وتخ ِّل الإنجليز عنهم وبدء تعاونهم القوة لفرض تفسيراتهم الدينية ومكانتهم
مع محمد علي للإغارة على محمد بن عبد كـ»علماء» و»أولياء أمر» لا تسير الحياة إلا
الوهاب وأتباعه في نجد .كثيرون من المماليك بفتاواهم ،والعسكريون يحتاجون الشيوخ
ف ُّروا إلى أسوان في أقصى جنوب مصر ،لكن
بعضهم طلبوا العفو من محمد علي فعفا عنهم