Page 10 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 10
العـدد 34 8
أكتوبر ٢٠٢1
د.أحمد يوسف علي
أندلسيات شوقي
بين الأثر والذاكرة
حضور الأندلس في سينية شوقي كان حضو ًرا أقوى من حضوره في
نونيته ،وأن مصر حظيت في هذه السينية بنصيب وفير .ولعل إصرار
شوقي على حضور مصر في هذا السياق يشي بقناعته الخفية والمعلنة
وهي أن «التاريخ عابر يتجدد ،قديمه منوال ،وحاضره مثال» ،كما ذكر في
الجزء الثاني من الشوقيات ،وأن مصر هي التاريخ العابر المتجدد وهي
المنوال الذي ينسج عليه المثال .ولو أضفنا حضور مصر في النونية،
لوجدنا أن الحضور الأندلسي بدا قلي ًل في آثار شوقي الأندلسية.
1915حتى نهاية العام 1918قبل أن يعود إلى مصر كان نشوب الحرب العالمية الأولى ،1914وإقدام
قرب نهاية عام .1919ومدار هذا البحث إعادة
الإنجليز على عزل الخديوي عباس حلمي ،وتنصيب
النظر فيما هو شائع وتحرير مفهوم الأندلسيات، حسين كامل سلطا ًنا على مصر ،مرحلة جديدة في
وتبيين حقيقة وجود الأندلس فيما كتبه شوقي من
حياة شوقي الشاعر والإنسان .فقد عرض الإنجليز
آثار شعرية طيلة إقامته في منفاه .ومدى حضور عليه أن يختار منفاه عقا ًبا له على ولائه للخديوي
الأندلس عن طريق الأثر أو طريق الذاكرة. المعزول الذي يرفض الانحياز لهم في هذه الحرب.
ولم يكن هينًا على شوقي -وهو الشاعر الأكبر في
فقد أمضى شوقي قرابة السنوات الأربع في منفاه، مصر -أن يغادرها مرغ ًما بقرار ظاهره الرحمة
أمضى منهن ثلا ًثا في برشلونة ولم يغادرها إلى وباطنه العذاب .فمصر لديه هي غاية الغايات
بلد إسباني آخر انتظا ًرا لخبر عودته إلى مصر. وملتقى كل الأوطان .غادر شوقي مصر ومعه
زوجه وأولاده علي وحسين وأمينة وخدمه إلى
فبرشلونة التي عاش فيها ولم يغادرها هي الميناء
البحري الذي تأتي إليه السفن وترحل ،وشوقي إسبانيا التي لم تطأها قدماه من قبل ،وقد عاش في
قلبه معلق بأبواق هذه السفن ساعة القرب وساعة أوروبا أكثر من أربع سنوات في طلب العلم .وترك
الرحيل ،ولما لاح بارق الأمل في العودة إلى مصر أمه العجوز العليلة في حلوان .والشائع أن شوقي
عام 1918ولم ترت ِو النفس العطشى بهذا الأمل حين غادر وطنه ،عاش في الأندلس الوطن المفقود،
الكذوب ،قرر شوقي أن يتعرف على مدن الأندلس ومنبع أمجاد العرب في ماضيهم البعيد .فالأندلس
حيث أمجاد الأجداد في الوطن المفقود .فالبقاء في التي شاد فيها العرب أمجادهم هي قرطبة وأشبيلية
برشلونة كان بقا ًء متعلَّ ًقا بأمل العودة إلى الوطن
في أقرب وقت .فهو بقاء الانتظار حيث حل وليس وطليطلة وغرناطة وغيرها من الأقاليم ،لكنها لم
البقاء المريح الذي يدعو إلى الارتحال في المكان .ومن تكن برشلونة التي عاش فيها شوقي منذ العام