Page 13 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 13

‫‪11‬‬           ‫إبداع ومبدعون‬

             ‫رؤى نقدية‬

                                                                               ‫والوجدان‪.‬‬

                                                                               ‫وبناء على ما سبق‪ ،‬هل نعد هذه‬

                                                                                  ‫الآثار الشعرية الثلاثة آثا ًرا‬
                                                                               ‫أندلسية وقد كتبها شوقي وهو‬

                                                                               ‫في برشلونة من أرض إسبانيا؟‬

                                                                               ‫إن إجابة هذا السؤال تعتمد على‬

                                                                               ‫مفهوم الأندلسية‪ .‬فهي ليست‬

                                                                               ‫مجرد مكان يقيم فيه الشاعر‬

                                                                               ‫زمنًا طال أو قصر‪ ،‬فقد عاش‬
                                                                               ‫في برشلونة ثلاث سنوات ولم‬

                                                                               ‫ينفعل بها‪ ،‬وليست الأندلسية‬

                                                                               ‫مجرد ذكر أماكن ترد في لغة‬

                                                                               ‫القصيدة‪ .‬فقد ذكر شوقي‬

                                                                               ‫أماكن في نونيته ليست في‬

                                                                               ‫برشلونة‪ ،‬وإنما في أشبيلية التي‬

‫ت‪ .‬س‪ .‬إليوت‬  ‫الشيخ حسين المرصفي‬                                     ‫أحمد شوقي‬  ‫لم يكن قد زارها ولا يعلم عنها‬
                                                                                 ‫شيئًا‪ ،‬وذكر طليطلة ويقصد‬

             ‫وما يختزنه من زاد ثقافي فني وتاريخي‪ .‬فالأندلس‬          ‫قرطبة وهو لم يكن قد شاهد هذه ولا تلك‪ .‬وليست‬
                ‫حلقة من حلقات هذا الإطار النوعي تتماهي مع‬           ‫الأندلسية استحضار رموز من تاريخ الأندلس مثل‬

             ‫حلقات أكبر وأسبق هي الشعر العربي في مصدريه‬               ‫ابن زيدون الذي عارض شوقي نونيته في ولادة‪،‬‬
                                                                    ‫ومع ذلك لم تكن نونية شوقي نونية أندلسية‪ .‬فقد‬
             ‫الجاهلي والعباسي م ًعا‪ .‬ورموزها جزء من عالم‬
             ‫الرموز الواسع في هذين المصدرين‪ .‬وعندما فرض‬             ‫كان حضور ابن زيدون كما يقول ت‪ .‬س‪.‬إليوت‪،‬‬
             ‫على شوقي الإقامة خارج الوطن‪ ،‬لم تكن الأندلس‬              ‫معاد ًل موضوعيًّا لحالة الأسى والحنين والوجد‬
                                                                    ‫الموزع عند شوقي بين الوطن المحروم منه والمنفى‬
                 ‫وطنًا بدي ًل ولا وطنًا مواز ًيا ولا وطنًا مضي ًفا‬  ‫المفروض عليه في برشلونة‪ .‬ومن ثم فإن الأندلسية‬
             ‫جدي ًدا إلى ما عند شوقي من ذخيرة الشعر والعلم‬
             ‫والمعرفة‪ .‬ولذلك لم نجد شوقي يكتب عن الأندلس‬                       ‫هي حضور المكان برموزه وآثاره وشخصياته‬

                                                                    ‫وطبيعته الحية والصامتة في لغة الشاعر على نحو‬
‫مخصوص من الصور والأساليب والموقف الفكري كما وعاها وجدانه‪ ،‬وإنما يكتب عن الصورة النمطية‬
             ‫للأندلس حينًا وعن همومه وشجونه التي لازمته‬
                                                                               ‫والعاطفي من هذا المكان‪.‬‬
             ‫طيلة غيبته عن الوطن الذي لم يغب أب ًدا‪.‬‬
                                                                    ‫فإذا صح هذا المفهوم وأظنه كذلك‪ ،‬فإن ما قدمنا‬
             ‫حتى الآن من آثار شعرية كتبها شوقي في برشلونة وتشهد بذلك بقية آثاره الشعرية التي كتبها بعد أن‬
 ‫رحل عن برشلونة يأ ًسا من العودة إلى وطنه‪ .‬فقد‬
‫كتب سينيته المشهورة على غرار سينية البحتري في‬                           ‫لا ينطبق عليها وصف أندلسيات شوقي‪ ،‬وإنما‬
                                                                    ‫ينطبق عليها وصف آثار أدبية في المنفى‪ .‬فهذه الآثار‬
‫مائة وعشرة أبيات‪ ،‬وكتب عن صقر قريش موشحة‬
                                                                    ‫الشعرية ليست من الأندلس في شيء ولكنها من‬
             ‫من مائة وثلاثين بيتًا على غرار موشحة ابن سهل‬
                                                                    ‫معين آخر عير معين الأندلسية التي لم تكن ذات‬
             ‫الإشبيلي الأندلسي‪ ،‬ثم ختم هذه الآثار بقصيدة‬
                                                                    ‫حضور في وعي شوقي الشعري قبل نفيه ولا بعد‬
             ‫«بعد المنفى» التي كتبها فر ًحا بعودته وامتنا ًنا‬
                                                                    ‫نفيه‪ .‬هي من معين الإطار النوعي الذي شكل لغة‬

             ‫لإسبانيا في ستين بيتًا‪ ،‬وهي القصيدة البائية‬            ‫شوقي الشعرية كما شكل صوره وأساليبه وسار‬

             ‫على هديه‪ .‬ذلك الإطار النوعي هو المحفوظ الشعري التي ألقيت على جمهور مستقبليه في محطة مصر‬
   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17   18