Page 17 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 17
مع أن شوقي كان ذك ًّيا وماهًرا في زيدون في تقديري قدر احتفاله بنائح الطلح
ووادي الطلح في إشارة صريحة إلى المعتمد بن
عقد الصلة التاريخية والشعرية بين عباد .ولم يظهر صوت ابن زيدون واض ًحا في
قصيدة شوقي إلا في التضمين الشعري الذي
محنته ومحنة المعتمد بن عباد عبر ورد لديه بعد أن فرغ من الشدو بأمجاد مصر
استدعاء رمزين من رموز المكان وعاد إليه وعيه بما هو فيه من آلام:
فآب من كره الأيام لاعبنا
الأندلسي هما النائح والطلح ،فإن
وثاب من سنة الأحلام لاهينا
وادي الطلح والنائح ليسا من معالم ولم ندع لليالي صافيا فدعت
(بأن نغص فقال الدهر آمينا)
المكان الأندلسي في برشلونة وإنما ومن ثم ،فإننا في هذه النونية ،قد توصلنا إلى
هما من معالم المكان في أشبيلية استنتاجات مهمة هي:
-أن النونية قليلة الاحتفال بالمكان الأندلسي
حيث كان الملك المعتمد بن عباد على الرغم من أن الشائع غير ذلك .فالشائع أن
هذه النونية أندلسية كتبها شوقي في محاريب
وحيث كانت محنته وملكه الذاهب
حضارتنا الغابرة في الأندلس.
والرموز والأماكن التي لم يشاهدها. -أن هذه النونية هي إحدى الآثار الشعرية
كل ما سبق يؤيد ما سعينا لتصحيحه ،وهو التي كتبها شوقي وهو في برشلونة ولم يكتبها وهو
أن النونية ليست أندلسية ولا مصورة للمكان في إحدى عواصم الأندلس مثل قرطبة أو إشبيلية أو
الأندلسي لمجرد أن شوقي أجبر على النفي فاختار
منفاه في برشلونة .فماذا عن السينية وآثار طليطلة.
-أن احتفاء شوقي في النونية بالمعتمد ابن عباد
الأندلس؟ احتفاء ملحوظ من خلال الإشارات الرمزية التي
أسس لها تعبير “يا نائح الطلح” ،ولم يحتف شوقي
ثانيا :الأندلسية في سينية شوقي بالقدر نفسه بابن زيدون مع أنه احتذى قصيدته
النونية بح ًرا ورو ًّيا .وأن المماثلة بين شوقي وبين
تتصل هذه الفقرة بالفقرة التي سبقتها والحبل المعتمد بن عباد أوضح وأقوى من المماثلة بينه وبين
السري بينهما هو المكان الأندلسي أو الذاكرة
ابن زيدون.
الثقافية .ففي الفقرة السابقة توصلنا إلى أن شوقي -أن شوقي حين كتب هذه النونية لم تكن الفكرة
في النونية لم يشغله المكان الأندلسي ولا رموزه الأندلسية هي باعثه الأكبر ولكنها جاءت عر ًضا،
الطبيعية أو البشرية ،وأن حضور هذا المكان في
مطلع النونية كان مصدره الذاكرة الثقافية ،وأن وظل الباعث الأكبر لديه هو مصر التي ارتحلت
وقوف شوقي على رسم الغابرين من الأندلسيين معه وحملها فوق ظهره وفي أعماق وجدانه وظل
يحن إليها وتمزقه أشواقه نحوها ،فعوض كل ذلك
كان وقو ًفا تقليد ًّيا ولم يكن نات ًجا عن تفاعل عاطفي بالشدو بها وبتاريخها وبنيلها وبأهلها ثم ارتقى
وأن الأمر في نظره لا يعدو أن يكون انتقا ًل من حرم بها حين أكد أن له أمين تحركان أشجانه :أمه التي
أنجبته ،وأمه مصر التي رفعته إلى مصاف الخالدين
إلى حرم كالانتقال من خمر بابل إلى خمر دارين.
لذلك فالسؤال متصل أي ًضا بما نحن بصدده الآن وارتفع بها.
وهو أين المكان الأندلسي في السينية وأين الذاكرة -أن شوقي لم يفارقه ولعه بالتاريخ ولا بالتراث
الثقافية؟ وكيف حضر البحتري في مكان أندلسي
وهو مشرقي ولماذا حضر؟ وهل حضرت مصر في الشعري العربي الكلاسيكي الذي كان مورده
وذاكرته الثقافية التي أمدته بالصور والأخيلة