Page 20 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 20
منوها بتناقض المواقع والحقوق بين أبناء الوطن البحتري
وبين الغرباء.
وفي هذه الأبيات التباس واضح فيما تشير إليه من
الأحداث .فشوقي المستطار بصوت البواخر إما أن
يكون قد كتب هذه السينية بعد أن غادر برشلونة
متجها إلى قرطبة وغيرها من مدن الأندلس ،وفي
هذه الحالة لا يتعلق قلبه بصوت البواخر الآتية
والراحلة ولا بابنة اليم ،وإما أن يكون قد كتب
السينية وهو في برشلونة التي مكث فيها ثلاث
سنوات وقلبه معلق بابنة اليم التي تعيده إلى وطنه.
وهذا غير صحيح لأن شوقي كتب السينية بعد أن
غادر برشلونة كما قال .فكيف يرد في السينية هذا
التعلق بصوت البواخر (مستطار إذا البواخر رنت)؟
مرد هذا اللبس قي اعتقادي أن شوقي يركن كثي ًرا
إلى مخزونه الثقافي والعاطفي ،يستمد منه صوره
ومشاعره .وقد استبد الشوق والحنين به طيلة
السنوات التي قضاها في برشلونة يترقب العودة
التي لم تتحقق ،وفجرت في وجدانه منابع الحنين
والشوق والأمل الحذر في العودة إلى وطنه .وقد
متح شوقي من هذه المنابع كثي ًرا .متح منها وهو
يتحدث عن وادي الطلح ونائح الطلح ،وهو في
برشلونة وليس في أشبيلية ،ومتح منها وهو يتحدث
عن صقر قريش في موشحته عنه ولم يكن في
قرطبة ،ومتح منها وهو يصف جامع قرطبة الذي
صار أث ًرا بعد عين .واستحضر شوقي العين من
الذاكرة الثقافية وأمامه الأثر يراه بعينيه كما سوف
نرى ،والدليل على أن شوقي ظل قلبه معل ًقا بابنة
اليم أنه عندما سمح له بالعودة وهو في مدريد لم
ينتظر سفينة تقله مباشرة إلى مصر وآثر ركوب
أخرى إلى إيطاليا ومن بعدها إلى مصر .فتعلق
شوقي بابنة اليم مرده إلى منابع العاطفة نحو
مصر .وهذه المنابع تزيد ولا تنقص ،ولا يحدها
مكان ،ومنها يستمد أي ًضا صور المفارقة المنطقية
والعاطفية التي يعيشها أبناء وطنه (حرام على بلابله
الدوح وحلال على الطير من كل جنس)( ،أيهم أحق
بالوطن :أبناؤه أم الغرباء) وهو قد ترك برشلونة،
كما صور هذه المفارقة في النونية وهو في برشلونة.
أما البحتري فقد استهل سينيته بالشكوى من
الزمان وغدر الأهل وظلم الأقربين: