Page 21 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 21
19 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
ولم يخل منها حسه .ومع أن السينية هي القصيدة صنت نفسي عما يدنس نفسي
التي أطال فيها شوقي الوقوف على آثار العرب في وترفعت عن جدا كل جبس
قرطبة وغرناطة ،فقد ابتدأها بمصر والحنين إليها
والتغني بتاريخها ،واستغرق هذا الغناء حوالي أربعة وتماسكت حين زعزعني الدهر
وأربعين بيتًا وزعها شوقي على قسمين :الأول وهو التما ًسا منه لتعسي ونكسي
بلغ من صبابة العيش عندي
الاستهلال العاطفي كما ذكرنا واستغرق حوالي طففتها الأيام تطفيف بخس
أربعة عشر بيتًا انتهت بقوله السابق:
شهد الله لم يغب عن جفوني ومن ثم فإن شوقي في احتذائه البحتري كان واعيًا
شخصه ساعة ،ولم يخل حسي بحضوره الذاتي ،فهو لم يكن رجع الصدى ولا
الصوت المستعيد المقلد ،ولكنه كان الشاعر الذي
والقسم الثاني استغرق حوالي ثلاثين بيتًا تغني يعيش في إطار التقاليد الشعرية للقصيدة العربية
فيها بالشواهد الخالدة من الآثار المصرية وبدأت
الموروثة ،واعيًا بدوره المزدوج في إحياء هذه التقاليد
بقوله: الأصيلة والبناء عليها ،وفي الاستجابة الشعرية
يصبح الفكر والمسلة ناديه
لمتغيرات الواقع الاجتماعي بأبعاده التاريخية .وقد
وبالسرحة الزكية يمسي تجلى ذلك عند شوقي في التغني بأمجاد الماضين
وختمت بتغنيه بطول بقاء أبي الهول وروايته من الحضارة المصرية العريقة ،وبأمجاد العرب
للتاريخ: والمسلمين في كل البلاد التي شيدوا فيها حضارتهم،
ورهين الرمال أفطس إلا وفي التغني بكفاح المصريين وتقدمهم الحضاري
أنه صنع جنة غير فطس
تتجلى حقيقة الناس فيه المعاصر ،وهو يرى أن استعادة أمجاد الماضي ذخر
سبع الخلق في أسارير إنسي لاستمرار إنجازات الحاضر واستشراف لآفاق
لعب الدهر في ثراه صبيًّا المستقبل.
والليالي كواعبًا غير أنس فإذا كان البحتري قد بكى أطلال كسرى وبكى
ركبت صيد المقادير عينيه
القصر الجعفري ،فإن شوقي على غراره بكى أطلال
لنقد ،ومخلبيه لفرس العرب والمسلمين في الأندلس ،وإذا كان البحتري
فأصابت به الممالك كسرى بكى مستله ًما العظة وعبرة التاريخ ،فإن شوقي
وهرق ًل والعبقري الفرنسي بكى ما بكى من الآثار والممالك مستلهما صيرورة
وفي هذا القسم تغني شوقي بالنيل والجيزة قانون الوجود وهو التغير والتحول .ولذلك فإن
والأهرام وأبي الهول .وتمثل نهاية هذا القسم بداية شوقي في سينيته بعد هذا الاستهلال ابتعد عن
جديدة للجزء الأندلسي من السينية الذي تضمن البحتري مستغر ًقا في الحنين إلى وطنه وإلى أجمل
شقين ،كل شق منهما ثلاثة وثلاثون بيتًا .الشق بقاعة :إلى نيله والأهرام وأبي الهول طيلة ثلاثين
الأول صور فيه شوقي مأساة المروانيين ،ومهد بيتًا أدت به إلى ما نسميه بحسن التخلص في
له بما نسميه بحسن التخلص في القصيدة العربية القصيدة العربية المحكمة.
المحكمة ،وأعني الانتقال السلس من حديث إلى
حديث ،واستغرق حسن التخلص تسعة أبيات .وبدأ وقبل التوسع في تناول موقفه من دولة الأمويين في
قرطبة التي صارت أث ًرا بعد عين ،وموقفه من دولة
هذا الشق:
أين مروان في المشارق عرش بني الأحمر في غرناطة ،نقف وقفة مه َّمة للتعرف
على حدود ما لمصر في سينية شوقي الأندلسية،
أموي وفي المغارب كرسي؟ وما للأندلس في قرطبة وغرناطة ،لندرك أن شوقي
وختمه بقوله:
على الرغم من رحيله عن برشلونة واستقباله
صنعة الداخل المبارك في الغر ب بشغف كبير آثار الأجداد الغابرين في الأندلس،
كان باعثه الأول هو مصر التي لم تغب عنه ساعة