Page 19 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 19
17 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
ببيعه الشام بيعة وكس واشترائه العراق خطة غبن. الإيوان:
فضاقت به الدنيا فقرر الارتحال إلى مكان بعيد يجد عمرت للسرور ده ًرا فصارت
فيه متنف ًسا هو بلاد الفرس .فارتحاله لم يكن رغ ًما
للتعزي رباعهم والتأسي
عنه وقرار عودته بيده وقتما يريد. ويقول شوقي عن آثار بني مروان:
بدأ شوقي بذكر دورة الزمن من اختلاف الليل
والنهار التي لا يفلت حي أو جماد من آثارها .وهي وعظ البحتري لإيوان كسرى
بداية تأملية ذات طابع عام يصدق على كل الكائنات وشفتني القصور من عبد شمس
من البشر وغير البشر بما يمثله هذا التأمل من سنة والثاني السير على منواله في البحر والروي .وخالفه
الكون والحياة والأحياء ،وبما تحفره في النفس من في الاستهلال من حيث الباعث على الترحال أهو
آبار الحنين إلى زمن مضى لن يكون إلا خلسة هو اجترار الهم العام أم الهم الشخصي؟ ثم خالفه بعد
زمن الأنس والصبا والتمتع في نهم بملذات الحياة ذلك في الحديث المسهب عن مصر ،والحديث عن
الأثر الأندلسي .فالسينية ليست كلها بكاء للأثر
وصحبة الأقران. ولا وص ًفا له ،وهي مثل النونية حديثها الأكبر عن
اختلاف النهار والليل ينسي الوطن واشتياق الشاعر إليه وشكوى الغربة.
فاذكرا لي الصبا وأيام أنسي ومع أهمية هذه الموازنة بين الشاعرين الكبيرين ،في
وصف شوقي للأثر الأندلسي في قرطبة وغرناطة
وصفا لي ملاوة من شباب ووصف البحتري لما شاهده في إيوان كسري،
صورت من تصورات ومس فلسنا في هذا السياق مشغولين بها .وما يشغلنا هو
عصفت كالصبا اللعوب ومرت شوقي نفسه وبكاؤه الأثر الأندلسي الذي استتبع
حضور البحتري في حرم غير حرمه وزمان غير
سنة حلوة ولذة خلس زمانه .فقد ارتحل شوقي عبر الزمان إلى مجد
ويبدو شوقي وكأنه يتحدث عن نفسه وعن صباه الأجداد وآثارهم الباقية مأخو ًذا بهم وبوطنه ومجده
وأيامه الأولى بما يوحي بالصوت الغنائي الفردي، الغابر ،ووجد البحتري شبي ًها له في ترحاله وفي
تخليد الأثر فاستدعاه .أما البحتري فقد ارتحل عبر
ولكنه في حقيقة الأمر يتألم لما يصيب مصر من الزمان أي ًضا إلى مجد ليس مجد أجداده ولا آبائه،
الظلم والاضطهاد وتحكم الآخرين في مصيرها مأخو ًذا بما انتابه من كدر وغم شخصي أتاه من
وحرمان أبنائها منها .فمصر في تلك الآونة لم تكن أقربائه ومن سوء تدبيره ،وبما ارتآه من ضرورة
قد نالت شيئًا من حريتها ولا استقلالها وما زال التنفيس عن نفسه بين مدائن كسرى والفرس الذين
الحلفاء يتقاسمون الغنائم على أرض الوطن الجريح لهم دين قديم في عنق البحتري ،حين أعانوا أهله
بنار الحرب التي فرضت عليه نيابة عن الآخرين، في اليمن على الأحباش .والاستهلال عند الشاعرين
وأدت كل التداعيات إلى ثورة .1919وتوجع شوقي متشابه إلى حد يغم على كثيرين ،ولا مفر من البدء
مصدره الغربة في المنفى ،وحال الوطن الجريح.
لذلك يترجم هذا التوجع بالحنين إليها وترقب به.
فالاستهلال نقطة البداية عند كل من الشاعرين.
العودة فيراقب السفن: فالوطن وما يحدث على أرضه من أحداث جسام
مستطار إذا البواخر رنت
أول الليل أو عوت بعد جرس تهدد حاضره ومستقبله ،لم يفارق شوقي:
شهد الله لم يغب عن جفوني
إلى أن يقول:
يا ابنة اليم ما أبوك بخيل شخصه ساعة ،ولم يخل حسي
ما له مول ًعا بمنعي وحبسي لذلك مزج بين شجونه وهموم الوطن .أما استهلال
أحرام على بلابله الدوح البحتري فيغلب عليه الهم الشخصي والأسى
حلال للطير من كل جنس الممض ج َّراء ما حدث له من نكران ومن خديعة
كل دار أحق بالأهل إلا
في خبيث من المذاهب رجس