Page 24 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 24
العـدد 34 22
أكتوبر ٢٠٢1
وإذا الدار ما بها من أنيس الذاكرة صورة ساكنة تظهر إذا وجدت مثي ًرا قو ًّيا
وإذا القوم ما لهم من محس يصعد بها من قاع الذاكرة إلى سطحها ،وذاكرة
ورقيق من البيوت عتيق جاوز
شوقي الثقافية تكتنز صو ًرا ثقافية لا أول لها ولا
الألف غير مذموم حرس آخر ،تكونت لديه من شغفه بالتاريخ ومن عكوفه
أثر من محمد وتراث صار على ممالك الغابرين وأثارهم ،ومن الشعر العربي
في أرقي نماذجه عبر عصور ازدهاره .ولا ننسى
للروح ذي الولاء الأم أب ًدا أن شوقي تلميذ نابه في مدرسة الشيخ حسين
فشوقي بين الزمان الذي ركب خاطره وعاد به إلى المرصفي ،وأن «الوسيلة الأدبية» هي المصدر الأكبر
قرطبة في زمنها الأول ،وبين قسوة الواقع وانحسار
المجد ،يتأرجح بين زمنين كلاهما مختلف عن الآخر. الذي تغذت به وعليه قرائح الإحيائيين من كبار
ولكن الزمن المعيش أقوى من الزمن المستعاد .ولذلك الشعراء أمثال البارودي وشوقي .لذلك لم يكن
غريبًا أن «يركب الدهر خاطر شوقي» وأن يعود
يعتقد شوقي أن عودة الزمان به لم تكن إلا سنة به إلى حيث يريد ،وأن يستدعي الصور والأشكال
من الكرى أو طي ًفا صحا القلب من هجسه وضلاله. والأحجام وكل ما يقع في إطار المرئيات أو الذاكرة
البصرية ،وهي إحدى غرف الذاكرة بشكل عام.
فقرطبة ولت ولا تغني عنها صورتها الأولى التي ولذلك لا نجد للخيال دو ًرا كبي ًرا في تشكيل الصورة
يبحث عنها شوقي في أرجاء الجامع وفي المنبر الذي
لم يجده ولم يجد أثارة من خطبائه ،لأن المنبر أزيل المستدعاة ولا في إعادة إنتاجها.
باقتطاع جانب من الجامع ليكون كنيسة ،ويبدو أن فالقصور تجلت كمن يرى صورة لها مضى عليها
زمن طويل ،عادت كما كانت وعاد معها كل ما كان
هذا الأمر عز عليه كما يعز على كل مسلم وعربي، حولها مما يكون ما نسميه بالإطار .فالقصور حين
فعاد مرة أخرى إلى الصور الثقافية ليستمد منها
صورة المنبر وما به من زخرفة خطية ،وصورة تعود صورتها يعود معها ساكنوها الذين كانوا
ينزلون من العز منازل قعساء .وبالطبع في ظل هذا
الخطيب المفوه منذر بن سعيد: الإطار لا نجد من الملوك نذل المعالي ،ولا من يتردى
منبر تحت منذر من جلال
في خسيس الصفات:
لم يزل يكتسيه أو تحت قس ما ضفت قط في الملوك على
وتأرجح شوقي بين صورتين من زمنين مختلفين: نذل المعالي ولا تردت بنجس.
صورة الأثر كما يشاهده ،وصورته الثقافية ،لم يغب وتكتمل صور قرطبة باستدعاء موكب الخليفة يوم
عنه إلا حين ابتعد عن مكان الأثر أو انتقل من مكان الجمعة وهو في منعة وقوة:
إلى مكان جديد يستقبل فيه أث ًرا مختل ًفا كما فعل حين وعلى الجمعة الجلالة والناصر
استشرف غرناطة والحمراء ،فأفلت خياله من قيد نور الخميس تحت الدرفس
التذكر والتداعي وأنشأ صورة أكثر حيوية وجما ًل: ينزل التاج عن مفارق دون
من لحمراء جللت بغبار الدهر ويحلى به جبين البرنس
كالجرح بين برء ونكس ويحرص شوقي على اكتمال إطار الصورة
فيستدعي الصور الثقافية لجامع قرطبة يوم
كسنا البرق لو محا الضوء لحظ الجمعة ،وخطيبها والمنبر ،وهي صور نمطية ليس
لمحتها العيون من طول قبس لها من تأثير إلا استدرار العاطفة الدينية ،والتحسر
على زمن مضى ولن يعود ،وهو يدرك أن عودته
حصن غرناطة ودار بني الأحمر للوراء لم تكن إلا حل ًما أو سنة من الكرى:
من غافل ويقظان ندس
سنة من كرى وطيف أمان
فقصر الحمراء من حصن غرناطة تبدو صورته وصحا القلب من ضلال وهجس
للناظر من بعيد مجللة بغبار الدهر الذي كساها
فحجب بهاءها وأظهر هوانها ،مثل الجرح الذي ظل
بين البرء والانتكاسة ،ولننظر إلى مجال التشبيه :غبار
الزمن الذي كسا الحمراء والجرح الذي لم يبرأ ولم