Page 28 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 28
العـدد 34 26
أكتوبر ٢٠٢1
هو في الحقيقة (ضحية) نظام تعليمي بائس ،لأن نمطي متسلط يخرج لنا كائنًا أحاد ًّيا أنانيًّا،
القائمين على العملية التعليمية كلهم من جنس هذا شخصيته مضمرة ذات بعد واحد ،لا يرى في
الظواهر من حوله سوى وجه إشكالي واحد،
(المنتج) بد ًءا بأعلى كرسي إلى أصغر طالب في وحل جبري واحد ،إنه أشبه بالمسيخ الأعور
رياض الأطفال ،كلهم تم تمريرهم في أفظع عملية الدجال ،الذي لا يرى إلا مس ًخا وتشوي ًها ،يخرج
غسيل مخ ،لا يدرك الغالب منا ما تعرض له من
إعادة تشكيل هوية مهترئة ،وحتى الذين يدركون لنا الإنسان الباحث عن الامتلاك والتضخم
والاستهلاك ،فهو حين يغادر المدرسة ينبري
–وما أكثرهم -فإنهم يفشلون في صنع شيء، لجمع المال ،أو لتدعيم مركزه ،أو لإشباع نزواته،
لأنهم محكومون بالتعامل مع هذا المسخ الذي ولو على حساب جثث الآخرين ومصيرهم فلا
يهم ،بل المهم هو أناه النرجسية المتوحشة ،فلا
أنتجه التعليم في كل قطاعات الحياة. مجال هنا للتفكير الحر أب ًدا ،اللهم إلا إذا اعتبرنا
تبدأ عملية المسخ منذ الطفولة ،في مراحل النضارة التفكير هو مجرد استخدام المرء لعقله لتحقيق
والبراءة والعقل المفتوح لتقبل كل شيء ،تظهر في أغراضه النفعية البرجماتية ،ثم يقذف به التردي
العقلي والنفسي والخلقي إلى هاويات السنين
الأفق مسوخ ثقافية ممثلة في المناهج والمؤلفين عبر العادة والألفة ،فيركن للفهم الواحد ،والوعي
والمدرسين ،ونظام التعليم نفسه. الواحد ،والتصرف الواحد ،والإحساس الواحد،
حتى يضرب بينه وبين الحقيقة المتعددة المتشبعة
حتى ما يبدو بريئًا وطفوليًّا ج ًّدا ،فإنه يخلو بباب غليظ من ورائه ومن أمامه أسوار شداد
من البراءة ،كما حدث مع القصة (البريئة) التي غلاظ ،حيث تقطف الأسوار المرئية واللامرئية
قرأناها في طفولتنا ،لأنها كانت مقررة على طلاب المغروسة في لحمه وعظامه تقطف من روحه
ذلك العهد (خيال الحقل) لكاتب الأطفال المعروف ومن رأسه نور التوهج الرباني ،نور الضمير،
عبد التواب يوسف ،وهي قصة سياسية باقتدار، وقلق البحث عن الحق ،ومساءلة العقل النقدي
وتأنيب الضمير الحي ،وبكلمة واحدة تجف
كما يرى د.أيمن تعيلب ،قصة تزرع المغزى وتذوي زهرته الإنسانية الندية ،وعندها يخسر
الماركسي الاشتراكي في نفوس أطفال هذه الحقبة هذا الإنسان ومعه الوطن الحياة كل الحياة ،لأن
جذوره الروحية والفكرية والخلقية والوطنية قد
(الاشتراكية المصرية) ،وهذا التدجين السياسي ُجذت من أصل شجرتها ،فهو شجر عائم على
أراد زرعه فينا عبد التواب يوسف لنكون من
وجهة نظره مواطنين صالحين مندمجين في طحالب الفوضى،
وضحالة العفن
التوجهات السياسية للدولة مبك ًرا أيام اشتراكية فما له من قرار.
جمال عبد الناصر ،ويصف د.أيمن تعيلب نتائج
هذا وصف قاس،
ذلك في هذه المرحلة الخطرة من مراحل بناء لكنه دال وحقيقي،
وكلنا يجد هذا
النموذج في نفسه
وفي زملائه.
هذا (الإنسان)
الذي تم بناؤه
هكذا ،ويظهر لك
بدور (المجرم)