Page 32 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 32

‫العـدد ‪34‬‬    ‫‪30‬‬

                                                     ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬

‫د‪.‬أحمد يحيى علي‬

‫الأدب والقوة الناعمة‬

‫إن الخروج بالعملية النقدية من هذا الخندق الضيق وتخليص الكتابة‬
‫النقدية من أكاديميتها الصارمة ومنهجيتها ذات الجمهور القليل‬
‫المحدود ضرورة ملحة لتشكيل وعي جديد أكثر نض ًجا يمتلك معايير‬
‫تغاير بشكل جذري ما سبق‪ ،‬يرى في النص مستن ًدا يحمل معه أبعا ًدا‬
‫تفوق جمالياته ودلالاته الظاهر منها والعميق؛ ليكون حلقة في‬
‫سلسلة فيها غيره من حقول الفكر‪ ،‬من وسائل التعبير الأخرى‪ ،‬ولعل‬
‫ما يسمى بالنقد الثقافي الذي طرأ على الساحة منذ زمن ليس ببعيد‬
‫يعد خطوة على الطريق الصحيح في الارتقاء بقراءة الأدب وتخليص‬
‫النظرة إليه من شوائب تعزله وتضعه في هامش الحياة‬

‫الأشكال التعبيرية تقريبًا بما فيها الأدب تجعل من‬                     ‫مفتتح‬
‫هذه الرباعية موضو ًعا لها؛ بحيث يمكن القول‪ :‬إن‬
 ‫كل عملية تعبير باللغة وبغير اللغة يمكن إرجاعها‬         ‫الأدب بوصفه حالة تعتمد على معايشة ذهنية‬

     ‫إلى شكل الحكاية المؤسسة على هذه العناصر‬              ‫ووجدانية يقوم على مسألة الابتعاد واصطناع‬
                                      ‫الأربعة‪.‬‬               ‫مسافة تريدها الذات الصانعة له في رؤيتها‬

   ‫الأدب‪ :‬المفهوم والأداء والحالة‬                        ‫للعالم‪ ،‬وفي محاولتها تلمس موطأ قدم لها يعبر‬
                                                        ‫عن حضورها فيه‪ ،‬ويبقى القصد من هذا التعبير‬
 ‫والأدب بحكم دلالته الأصيلة الأثيرة التي تسكن‬          ‫مرتب ًطا بمدى رغبة هذا الصوت المعبر في الانتقال‬
‫جذره اللغوي ( َأ َد َب) في انطلاقه من مسألة الدعوة‬    ‫من مرحلة المعايشة الحية تأثي ًرا وتأث ًرا إلى مرحلة‬

     ‫إلى الطعام والشراب(‪ )1‬إلى ما هو فوقها يدعو‬             ‫الرصد والتسجيل؛ وهو ما يعني انتقال هذا‬
   ‫دو ًما مستقبله إلى الالتحام ببنيته التعبيرية على‬     ‫الصوت من حالة مضارعة إلى حالة أخرى يمكن‬
  ‫اختلاف نوعيها من شعر ونثر بأثوابه المتعددة؛‬
  ‫بغية التأثر ببعديه الإمتاعي والنفعي‪ ،‬وبحصول‬              ‫نعتها بالمستق َبلة بفتح الباء‪ ،‬عندما يتحرك مع‬
   ‫هذا التأثر تكون المادة الأدبية قد حققت غايتها‬      ‫منجزه التعبيري هذا إلى زمن آت؛ فيصير به ومعه‬
 ‫المنشودة التي تأسست على مسألة الدعوة سالفة‬          ‫بمثابة مؤرخ مدون وشاهد ‪-‬وفق معالجة خاصة‪-‬‬
‫الذكر‪ ،‬والأدب عمو ًما في البناء الحضاري للجماعة‬      ‫على هذه الرباعية التي لا تفتأ تغادر موقعها المهيمن‬
                                                     ‫في واقع الجماعة الإنسانية الحياتي برمته؛ ألا وهي‪:‬‬

                                                         ‫الزمان‪ ،‬والمكان‪ ،‬والحدث‪ ،‬والشخصيات؛ إن كل‬
   27   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37