Page 34 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 34

‫العـدد ‪34‬‬    ‫‪32‬‬

                                                      ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬

 ‫لخصومه‪ ،‬فكان عندنا الزبيريون نسبة إلى عبد الله‬                                               ‫لهم(‪.)3‬‬
  ‫بن الزبير‪ ،‬والعلويون نسبة إلى علي بن أبي طالب‬             ‫ويقود الطرح السابق هذا إلى مسير الجماعة‬
 ‫وآل بيت النبوة‪ ،‬والشيعة نسبة إلى أنصار علي بن‬        ‫العربية وتحولها من الجاهلية إلى الإسلام وانتقالها‬
 ‫أبي طالب الذين وقفوا إلى جواره في معركة صفين‬         ‫بمفهوم السلطة من دائرة القبيلة وما يصاحبها من‬
                                                      ‫متعلقات إلى دائرة مغايرة كان للإسلام دور رئيس‬
     ‫ضد معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وفي مقابل هؤلاء‬            ‫في تكوينها؛ فمن القبيلة بدأت الشخصية العربية‬
‫الخوارج الذين اعترضوا عليه وخاصموه وحاربوه‬            ‫تنتقل إلى مفهوم الدولة في بعدها الجغرافي واتساع‬
 ‫وقاتلوا ضده بعد ذلك لقبوله التحكيم مع معاوية‪،‬‬         ‫مساحتها وفي بعدها الديموغرافي (طبيعة الشرائح‬
                                                         ‫الاجتماعية والفئات المكونة لها)؛ بفضل الانتقال‬
    ‫وحزب الأمويين‪ ،‬وحزب العباسيين(‪ ،)4‬كل هذه‬              ‫من حيز العصبية القبلية ومساحته الضيقة إلى‬
   ‫الفرق يمكن مطالعة وجودها من خلال محددين‬            ‫رحابة الأخوة التي تقوم على رابط را ٍق يمثله الدين‬
‫رئيسين‪ :‬القوة الناعمة التي تتمثل فيما كانت تنادي‬      ‫الذي يذيب المسافات والفوارق بين الطبقات‪ ،‬ويبدد‬
‫به من فكر يستقطب لها الأنصار والمؤيدين بوسائل‬          ‫الحواجز التي أقيمت بفعل مفهوم القبيلة القاصر‪،‬‬
     ‫عدة‪ ،‬يأتي الأدب شعره ونثره في المقدمة منها‪،‬‬          ‫ويتجاوز ويتعدى أهل اللغة الواحدة إلى غيرهم‬
    ‫والقوة الخشنة التي تتجلى في ممارستها أحيا ًنا‬           ‫جاع ًل معيار التقييم والحكم وبيان الأفضلية‬
 ‫للعنف القائم على إشهار السلاح في وجه الخصوم‬             ‫مؤس ًسا على مفهوم التقوى الذي ُيعول عليه في‬
 ‫والدخول في مواجهات دموية لفرض رؤيتها جب ًرا‪.‬‬             ‫ترتيب الأولويات وفي الاختيارات بالنظر ‪-‬على‬
   ‫إ ًذا فإن التعامل مع الأدب بوصفه فنًّا يقوم أو ًل‬    ‫سبيل المثال‪ -‬إلى ثنائية السلطة ببعدها السياسي‬
   ‫على تناوله؛ بوصفه حالة ثقافية وتاريخية تشير‬
   ‫إلى ملمح من ملامح الشخصية في شقها الفردي‬                                                  ‫والرعية‪.‬‬
 ‫والجمعي في سياق زمني ومكاني محدد؛ فصياغته‬             ‫وبالوقوف عند هذا المحدد الأخير لثنائية (السلطة‬
                                                       ‫والمحكوم أو الرعية) يمكن تتبع مسار الشخصية‬
     ‫لا تعدو أن تكون نتيجة ومرآة عاكسة لطبيعة‬           ‫العربية فيما أعقب ظهور الإسلام وبيان ما مرت‬
  ‫مرحلة؛ خصو ًصا إذا ما تم الحديث عن الشعر في‬         ‫به من أطوار‪ ،‬تم التعويل عليها في تقسيم الأدب إلى‬
                                                      ‫عصور؛ إذ اتخذ مفهوم السلطة في جانبه السياسي‬
    ‫أغراضه الأربعة‪ :‬المدح والفخر والهجاء والرثاء‪،‬‬       ‫أبعا ًدا فرضتها تفاعلات داخل الجماعة أعادت إلى‬
   ‫وعن النثر في أحد أشكاله الأكثر ذيو ًعا؛ ألا وهو‬    ‫الذهنية الجمعية في مرحلة زمنية محددة ما كان في‬
                                                       ‫الماضي من صراعات كانت القوة الخشنة المعتمدة‬
                                        ‫الخطبة‪.‬‬         ‫على السلاح والعنف وسفك الدماء الملمح الرئيس‬
   ‫فإذا نظرنا إلى طبيعة البناء الاجتماعي في عصر‬
   ‫بني أمية ‪-‬على سبيل المثال‪ -‬نجد أن تغير شكل‬            ‫لها؛ فأحداث الفتنة الكبرى التي قسمت الجماعة‬
‫السلطة السياسية وأسلوب ممارسة الحكم وفرض‬               ‫العربية في عمومها فر ًقا ثلاثة رئيسة‪ :‬مع علي بن‬
 ‫الوصاية على الرعية واختلافه من عهد إلى عهد قد‬         ‫أبي طالب وضد معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬ومع هذا‬
    ‫ألقى بظلال على التركيبة الاجتماعية للشخصية‬
                                                         ‫الأخير ضد الأول‪ ،‬وفريق ثالث آثر الحياد فيما‬
     ‫في ذلك الوقت؛ إذ يمكن القول‪ :‬إن طبقة الأدباء‬          ‫اعتبره فتنة أعجزت القدرة على تبيان الحقيقة‬
  ‫والشعراء تأتي تالية مباشرة لطبقة الخلفاء وأهل‬
                                                       ‫الناصعة التي يمكن الالتفاف حولها؛ فظهر مفهوم‬
      ‫بيت الحكم والولاة‪ ،‬في إطار ما يمكن تسميته‬           ‫جديد كان للأدب نصيب وافر في الكشف عنه؛‬
   ‫بـ(تبادل المنفعة)‪ ،‬فاحتكار بني أمية للسلطة على‬        ‫ألا وهو مفهوم الحزبية‪ ،‬الذي بدأ يشيع ويتمدد‬
‫المستوى السياسي وما صاحبه من استخدام مفرط‬
                                                       ‫في جسد الدولة العربية المسلمة منذ مقتل الخليفة‬
      ‫للقوة الخشنة في سبيل ذلك دفع إلى ضرورة‬            ‫الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فأضحى‬
     ‫الاعتماد على القوة الناعمة التي يشكلها الأدب‬         ‫لكل حزب شعراؤه المنادون بمبادئه والمناوئون‬
      ‫بشكل موا ٍز؛ فالحاكم تتجمل صورته في عين‬
‫الرعية‪ ،‬والأديب ينال مقابل دوره هذا المال والمنزلة‬

                                   ‫بين الناس(‪.)5‬‬
   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39