Page 38 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 38

‫العـدد ‪34‬‬    ‫‪36‬‬

                                                      ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬

   ‫شيء أو معنى يريد الشاعر إيصاله لنا‪ ،‬فتصبح‬           ‫‪-‬بحسب جاك لاكان‪ -‬تتمتع بالقدرة على أن تجعل‬
 ‫الاستعارة «أشبه بومضة ندرك المعنى في ضوئها‪.‬‬            ‫من نفسها ذا ًتا أخرى‪ ،‬وأن تتوقف عن التفكير في‬
 ‫أو ليست الاستعارة نفسها استعارية ترائي بمعنى‬
   ‫ما وتحتال س ًّرا بإيصال معنى آخر»؟! كما يقول‬                             ‫آن الأخرى و تفكر مثلها(‪.)1‬‬
                                                          ‫إن كل أماكن لحظات عزلتنا الماضية‪ ،‬والأماكن‬
                                  ‫جاك دريدا(‪.)3‬‬           ‫التي عانينا فيها من الوحدة‪ ،‬أو تلك التي رغبنا‬
                                                       ‫فيها مع الوحدة فيها تظل راسخة في داخلنا‪ ،‬لأننا‬
         ‫البيت وأحلام اليقظة‬                          ‫نرغب في أن نبقى كذلك‪ ،‬فالإنسان يعلم غريز ًّيا بأن‬
                                                      ‫المكان المرتبط بوحدته مكان خلاق‪ ،‬يحدث هذا حين‬
      ‫«يرتبط حضور البيت في هذا الديوان بأحلام‬           ‫تختفي هذه الأماكن من الحاضر‪ ،‬وحين يعلم أن‬
  ‫اليقظة‪ ،‬فحلم اليقظة يتعمق مث ًل إلى حد أن منطقة‬
  ‫من التاريخ القديم ج ًّدا تتفتح أمام الحالم بالبيت‪.‬‬                     ‫المستقبل لن يعيدها إليه ثانية‪.‬‬
                                                        ‫لكن أليست الحياة ذاتها تتكون من تلك اللحظات‬
         ‫منطقة تتجاوز أقدم ذكريات الإنسانية(‪.)4‬‬        ‫الصغيرة من الشعور بالوحدة»؟! كما يقول رولان‬
          ‫فاللاشعوري لا يعرف زمنًا‪ ،‬إذا استعرنا‬
        ‫عبارة فرويد الشهيرة التي تعد من الأقوال‬                      ‫بارت في كتابه «الغرفة المضيئة»(‪.)2‬‬
       ‫الميتاسيكولوجية المعروفة‪ ،‬فمن المفترض أن‬           ‫ففي قصيدة «أتقدم في البيت» على سبيل المثال‪،‬‬
      ‫اللاشعور أتى إلى الوجود في لحظة معينة من‬            ‫نرى الشاعر يشير إلى حالة العزلة التي يعانيها‬
   ‫الزمن‪ ،‬وأنه يختفي في لحظة معينة من الزمن(‪.)5‬‬        ‫من خلال مشهد سينمائي‪ ،‬يبدو كما لو كان سر ًدا‬
 ‫فالشعر هو بكل دقة تأثير ذلك الصراع المرير بين‬         ‫لحياة تغلفها الوحدة؛ «حيث الحياة كلها تختزل في‬
 ‫الوعي واللاوعي‪ ،‬وعليه أن يعمل مع المقاومة‪ ،‬ومع‬         ‫أوقات تعيسة بين جدران البيت‪ ،‬لا شيء يقطعها‬
  ‫ما لا يمكن مقاومته أو الهرب منه‪ ،‬وأهمية أحلام‬       ‫سوى مكالمات مع صديقة ترعى زو ًجا من العجائز‪،‬‬
‫اليقظة أنها تضيء ذلك الدمج بين القديم ج ًّدا وبين‬         ‫مكتفية الذات بتأمل حالة انكسار الروح وظلمة‬
   ‫المستعاد من الذكريات‪ .‬وهذه المنطقة التي تنفتح‬         ‫الليالي المتوالية‪ ،‬وبالتلصص من نوافذ البيت على‬
 ‫على تأريخ سحيق يرتبط فيها الخيال بالذاكرة‪ ،‬كل‬
  ‫منهما يعمق الآخر‪ .‬إذن هو «بيت مجازي» يسكن‬                                            ‫حياة الآخرين‪:‬‬
‫منطقة اللاوعي ويتخذ صورة «حلم يقظة»‪ ،‬حتى أن‬                       ‫أعيش ساعات في البيت بأذني وحدها‪.‬‬
  ‫الحالم به لا يرى سواه وتتداخل معه كل الأماكن‬
  ‫الأخرى والأحداث التي تثير الألم‪.‬‬                                     ‫دبيب الأقدام البطيء على الأرض‬
 ‫كما نرى في قصيدة‪« :‬رأى بيتا» ثم‬                                     ‫نسيان المرأة لكل شيء وهمهماتها‬

                 ‫في قصيدة «حلم»‪:‬‬                                       ‫المزاج المتقلب لكن الهادئ للرجل‬
    ‫«كنت واقفا أمام باب البيت‪ ،‬كما‬                                           ‫يأس صديقتي من نفسها‬
‫يقف الناس دون هدف محدد‪ ،‬حينما‬                                                       ‫ومن الحياة أحيا ًنا‬
   ‫رأيتك تتقدمين إلى البيت المجاور‪،‬‬                                            ‫وفجأة تصبح الساعات‬
 ‫مرتدية شور ًتا يظهر منبت فخذيك‪،‬‬                                                 ‫الثقيلة أخف ما يكون‬
    ‫كنت تمضين سري ًعا ولم تريني‪.‬‬                                                 ‫حتى أنني أراها قليلة‬
 ‫فهمت من ملابسك أنك ذاهبة لعمل‬                                                ‫وأن عليَّ أن أطيل الحوار‪.‬‬
   ‫المساج لدى المركز المجاور‪ .‬عندما‬                                                 ‫(الديوان‪ ،‬ص ‪)11‬‬
   ‫رأيتك انفجر صدري‪ .‬ظللت لأيام‬                                                   ‫يستخدم الشاعر هنا‬
‫أخرى أترقب رؤيتك وأنا في الشرفة‬                                                   ‫مونتا ًجا من الكلمات‬
  ‫حتى رأيتك من جديد وكدت أسقط‬                                                ‫لمونتاج من الصور؛ أي أن‬
                                                                               ‫الكتابة صارت مونتا ًجا‪،‬‬
                                                                                ‫حيث يصير المشهد كله‬
                                                                               ‫بمثابة استعارة كلية عن‬
   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43