Page 25 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 25
23 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
ولألفاظها بأزين لبس ينتكس .فلما تجللت الحمراء بغبار الزمن ،احتجب
ويخلص شوقي بعد وصف أركان الحمراء إلى بهاؤها وذوت بهجتها وصارت كالجرح الذي لم يبرأ
وصف خروج العرب من مجدهم القديم وص ًفا ولم ينتكس .فالفاعل المفرد في هذه الصورة هو الزمن
الذي منح الحمراء بهجتها وحيويتها في عهدها الأول،
مؤلمًا:
خرج القوم في كتائب صم وهو الذي سلبها كل ذلك حين ترك عليها آثاره.
عن حفاظ كموكب الدفن خرس والحمراء على هذا النحو جرح باق وصورة شاهدة
ركبوا بالبحار نع ًشا وكانت ساكنة مؤلمة وموحية .وهذه الصورة الساكنة مثل
تحت آبائهم هي العرش أمس سنا البرق تومض وتختفي قد لا يلحقه اللحظ ولكن
وإذا ما أصاب بنيان قوم لا تخطئه العيون من طول قبس .ولأن الحمراء جمعت
وهي خلق فإنه وهي أس
ركز فيه على مشهدين متقابلين :الأول مشهد بين زمنين متقابلين ،وصارت جر ًحا بين حالين
الفاتحين الذين فتحوا الأندلس ،والثاني مشهد من البرء والنكس ،فالتشبيه صورة عامرة بثنائيات
الآفلين الغاربين الذين كان موكب خروجهم موكب ضدية :البرء والنكس وغافل ويقظان وندس أي عاقل
الدفن أصم وأخرس .والعرب في الحالين ركبوا فاهم وما يقابلها من غبي أحمق .الصورة على هذا
البحر الذي كان عر ًشا ،وفي غروبهم كان نع ًشا، النحو الساكن الثابت أشبه بشاهد القبور الدال على
ويصرح شوقي بأس الغروب وهو الأخلاق التي القبر وعلى صاحبه وعلى قدره وعلى صموده أمام
وهت ووهى معها بنيان كل شيء من الأساس.
ويختم شوقي سينيته بعد تطواف واسع في التاريخ التحولات.
المصري والعربي والإسلامي بمغزي كر الليالي والحمراء كما صورها شوقي أثر به من عوادي
الزمن ما به من صور الخراب والوحشة .قد صار
والأيام: مبا ًحا بعد أن كانت عرصاته مصونة وذات منعة.
حسبهم هذه الطلول عظات تخلت عنها الخيل واستراحت .ولم يعد للحمراء من
من جديد على الدهور ودرس تأثير إلا كونه دا ًّل على زمن ولى بقيت فنونه ومبانيه
وإذا فاتك التفات إلى الما ضي شاهدة له ،ووفود الزائرين هي وفود على التاريخ
فقد غاب عنك وجه التأسي تسعى في خشوع وخضوع بين نقوش في نضارة
وبناء على ما تقدم ،فإن حضور الأندلس في سينية الآس أو عصارة الورس ،وقباب شامخة كالربى الشم
شوقي كان حضو ًرا أقوى من حضوره في نونيته، من لازورد وتبر وزخرفة خطية جمعت بين المعاني
وأن مصر حظيت في هذه السينية بنصيب وفير.
ولعل إصرار شوقي على حضور مصر في هذا والألفاظ بأزين لبس:
السياق يشي بقناعته الخفية والمعلنة وهي أن مشت الحادثات في غرف الحمراء
«التاريخ عابر يتجدد ،قديمه منوال ،وحاضره
مثال» ،كما ذكر في الجزء الثاني من الشوقيات، مشي النعي في دار عرس
وأن مصر هي التاريخ العابر المتجدد وهي المنوال هتكت عزة الحجاب وفضت
الذي ينسج عليه المثال .ولو أضفنا حضور مصر في سدة الباب من سمير وأنس
النونية ،وهو حضور أوفى إلى حضورها في السينية، عرصات تخلت الخيل عنها
لوجدنا أن الحضور الأندلسي بدا قلي ًل في آثار واستراحت من احتراس وعس
شوقي الأندلسية .وهذا ما يدعو إلى أن نقتصد في لا ترى غير وافدين على التاريخ
أحكامنا وأن ندقق فيها ،كما يدعونا إلى النظر من
جديد في الأندلس كما تبدو في الأثر ،والأندلس كما ساعين في خشوع ونكس
تبدو في الذاكرة عند شوقي نقلوا الطرف في نضارة آس
من نقوش ،وفي عصارة ورس
وقباب من لازورد وتبر
كالربى الشم بين ظل وشمس
وخطوط تكفلت للمعاني