Page 22 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 22
العـدد 34 20
أكتوبر ٢٠٢1
فلك يكسف الشموس نها ًرا وآل له ميامين شمس
ويسوم البدور ليلة وكس وأما الشق الثاني فقد خلا من حسن التخلص وبدأ
ومواقيت للأمور إذا ما بالوصف الشعري للحمراء مباشرة:
بلغتها الأمور صارت لعكس من لحمراء جللت بغبار الدهر
كالجرح بين برء ونكس
دول كالرجال مرتهنات
بقيام من الجدود وتعس وختمه شوقي بثمانية أبيات تحدث فيها عن ديار
ففي هذه الأبيات يعود شوقي للحديث عن سنة إسبانيا الجميلة التي أكرمت نزله ورعت أبناءه،
كونية استهل بها السينية كما يستهل بها قصائده وعد ذلك صني ًعا يستوجب الشكر .وجعل البيتين
الكبرى ،مثل كبار الحوادث في وادي النيل ،وتوت
عنخ أمون وأبي الهول .فالتاريخ عنده خزينة العبرة الأخيرين مجلى لدروس التاريخ .وقبل هذا الختام
والعظة ومسرح التحولات الكبرى والدائمة« .فلجة أنهى شوقي حديثه المأساوي عن الوجود العربي
الأمور» قيدت العقول وأصابتها كما قيدت الحيتان بالأندلس بأبيات سوف نتناولها كما نتناول غيرها
وغرقت في هذه اللجة ،ولا ينفع الطافي أو الغريق
شيء من الإنقاذ ،فهذه السنة تقلب الأمر رأ ًسا على مما أشرنا إليه.
عقب ،إذ تكسف الشموس نها ًرا وتسوم البدور لي ًل. ومما سبق نجد أن السينية كانت قسمة بين مصر
وهذا التمهيد الفكري تمهيد إقناعي لما آل إليه حال والأندلس ،وأن مصر نالت من هذه القسمة نصيبًا
كل الممالك ومنها مملكة الروم والفرس وآل مروان
أوفى مما نالته الأندلس التي كانت قسمة بين
في الأندلس. مكانين :قرطبة وغرناطة .وأن شوقي أنهى حديثه
وليال من كل ذات سوار الشعري عن مصر بما أشرنا إليه بحسن التخلص
لطمت كل رب روم وفرس
سددت بالهلال قوسا وسلت الذي كان هدفه الربط الشكلي بين موضوعات
خنج ًرا ينفذان من كل ترس السينية التي بلغت مائة وعشرة أبيات .ويمثل حسن
حكمت في القرون خوفو ودا ًرا التخلص في السينية بداية جديدة أو استهلا ًل جدي ًدا
وعفت وائ ًل وألوت بعبس
فشوقي في هذا الاستهلال يجمع التاريخ كله في مثل الاستهلال الأول .فإذا كان الاستهلال الأول
بقعة واحدة ليوضح أن سنته لا يفلت منها فرد بلغ خمسة عشر بيتًا ،فإن الاستهلال الثاني طال
أو دولة ،وأن هذه السنة الكونية سنة قدرية،
وبلغ تسعة أبيات .فموقعه بين قسمين كبيرين
في القصيدة جعل طوله لافتًا للنظر .وربما فضل
شوقي هذا الطول لأنه ينطوي في أعماقه على غاية
تعليمية وتهذيبية واضحة تمثل وظيفة من أهم
وظائف الشعر الإحيائي ،ويدرك شوقي أنه يقف
أمام شواهد التاريخ ومصائر الدول بما يتاح له
أن يظهر براعته في قراءة هذه المصائر ،ورغبته
الأكيدة في انتفاع قومه من دروسها .لذلك جاء
هذا الاستهلال الثاني مثل الأول تأمليًّا شجيًّا.
وسوف نتناول هذا الاستهلال بوصفه مدخ ًل
لهذا الجزء الأندلسي من القصيدة:
يا فؤادي لكل أمر قرار فيه
يبدو وينجلي بعد لبس
عقلت لجة الأمور عقولا
طالت الحوت طول سبح وغس
غرقت حيث لا يصاح بطاف
أو غريق ولا يصاغ لحس