Page 26 - مجلة ثقافة قانونية - العدد الثالث
P. 26
فرص حياة قابلة للاستمرار فى المستقبل .وهناك سبعة عشرة هدفا وبين الشخص الذى يعيش متباعدا ،خاملا ،سلبيا ،Lethargicوإذا
للتنمية المستدامة وضعتها الأمم المتحدة ما بين ،2030-2015من كانت المشاركة متعددة الأشكال :سياسية ،اقتصادية ،اجتماعية ،فإنها
أبرزها الهدف العاشر وهو الحد من عدم المساواة ،لأنه إن لم تتحقق أقرب إلى السياسة ،لكنها تتعزز متى صار المواطن فى وضع اقتصادى
المساواة ،فإن كل جهود التنمية سوف تتحطم على صخرة التهميش، واجتماعى أفضل ،من هنا تتقاطع الحقوق السياسية والمدنية مع
وعدم العدالة. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
فى هذا السياق قد يكون التنوع الدينى والمشاركة ،جناحا المواطنة، عقد من المواطنة
مصدرا مهما للاستدامة فى المجتمع المصرى ،من خلال ما يعرف
باقتصادات المسارات الروحية ،ومشاركة كافة المواطنين ،نساء ورجال، شهدت السنوات العشر الأخيرة جهود متلاحقة فى تحقيق المواطنة
مسلمين ومسيحيين ،فى سبيل تطوير صناعات إبداعية ترتبط بهذه بمختلف أبعادها ،لم تعرف مثلها العقود السابقة .فقد بدت الدولة
المصرية ،فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى ،حريصة على تحقيق
المسارات الروحية. المواطنة ،بمختلف أبعادها .هناك مظاهر كثيرة يمكن الوقوف أمامها.
هناك زيـارة العائلة المقدسة إلـى مصر ،ومـا تركته من علامات فمن ناحية أولى هناك اهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية
ومزارات مهمة فى انحاء البلاد شمالا وجنوبا ،شرقا وغربا ،وفى كل لقطاعات عريضة من المواطنين خاصة فى مبادرة حياة كريمة ،التى
محطة حلت بها هناك خصوصية محلية ما يمكن الإفادة منها .وهناك تخدم نصف سكان مصر تقريبا فى أكثر القرى فقرا وتهميشا ،بهدف
تطوير لمزارات آل البيت ،لما لها من قدسية وإلهام خاص لدى قطاعات احداث نقلة نوعية فى حياة المواطن المهمش ،يضاف إلى ذلك وجود
عريضة من المسلمين ،وهناك مشروع التجلى الأعظم بسانت كاترين، حزمة من البرامج الاجتماعية مثل تكافل وكرامة ،وغيرها الذى يشكل
تلك البقعة الروحية التى لها عبيرها الخاص عند المؤمنين بالأديان،
وفى الفترة الأخيرة أعلن عن تطوير مسار خروج بنى إسرائيل من دعما أساسيا للأسر الفقيرة.
مصر .تشكل هذه المسارات الروحية مساحة ملهمة لكل من يقصدها ومن ناحية ثانية ،فإن أوضاع المرأة تطورت كثيرا ،يظهر ذلك بوضوح
بدافع ايمانى ،ويسعى لاستلهام طاقة روحية منها .ومن الواضح أن فى مؤشرات تمكين المرأة ،حيث زادت نسبة تمثيل المرأة فى البرلمان،
الدولة تسعى بدأب نحو تطوير والإفادة من التراث الحضارى والدينى، بمجلسيه النواب والشيوخ ،وحضورها فى الوظائف العامة سواء على
والذى يخص المصريين جمي ًعا سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين ،وأيضا مستوى الــوزارات ،والمحافظين ،والدوائر القضائية والدبلوماسية
ترميم المعابد اليهودية ،وهو ما ٌيعد خطوة مهمة على طريق تعزيز وغيرها ،بما يجعل مصر فى مرتبة متقدمة على العديد من دول المنطقة.
روح التعددية الدينية ،التى ٌعرفت بها مصر منذ قرون بعيدة .وإن ومن ناحية ثالثة ،فقد استطاعت الدولة المصرية فى العقد الأخير
كان تطوير المسارات الروحية يأتى بدافع سياحى فى الغالب ،ولا غرو التعامل بجدية مع العديد من المشكلات الموروثة فى مجال تمتع الأقباط
فى ذلك ،لكن ينبغى أن يكون هناك إدراك بأن التنوع الدينى يشكل بحقوق المواطنة ،سـواء من خلال تدشين رئيس الجمهورية تقاليد
راف ًدا اقتصاديا ،أساس ًيا ،يتجاوز مجرد الاهتمام السياحى ،ويرتبط جديدة فى الدولة المصرية مثل زيارة الكنيسة لتهنئة الأقباط بالعيد،
والحديث المباشر إليهم ،وتسوية العديد من مشكلات بناء وترميم
بصناعات ثقافية وتراثية لها أهدافها التنموية بعيدة المدى. الكنائس من خلال صدور قانون ينظم هذا الشأن ،وهو ما افتقرت
من ناحية أولى تسهم المسارات الروحية فى تمكين المجتمعات المحلية إليه الدولة المصرية على مدار عقود ،وضبط لغة الحديث فى الإعلام
اقتصاد ًيا ،وتوفر مصدرا مستداما للنشاط الاقتصادى لقطاعات عن قضايا الاختلاف الدينى ،والحرص على شغل المواقع القيادية فى
عريضة من السكان سواء الذين يعملون بهذه المسارات ،أو المشتغلين مؤسسات الدولة بالكفاءة ،دون مراعاة للاختلاف فى النوع أو الدين،
بالصناعات التراثية المرتبطة بها ،أو العاملين فى مجال السياحة وهو ما أدى إلى زيادة حضور النساء والأقباط فى المواقع القيادية.
بمعناها الواسع ،وهى حالة تندرج تحت لافتة التنمية المستدامة ،لأنها لا بالطبع لا تزال هناك تحديات فى كل هذه القضايا المشار إليها،
وقد يستغرق تحقيق المواطنة الكاملة جهودا مضنية ،وعقودا طويلة،
بهدف تكوين النشء والشباب على قبول الاختلاف والتنوع واحترام 26
الآخر ،ولكن لا يجب أن نغفل أن ما حدث خلال العقد الأخير فى
هذا المجال يمثل نقلة نوعية فى تناول حقوق المواطنة.
وللتدليل على ذلك دعونا نعود إلى الوراء قليلا .منذ ثلاثين عا ًما،
كان الحديث عن مفهوم المواطنة غائ ًما ،وسط تصاعد المشكلات
المتعلقة ببناء وترميم الكنائس ،وشيوع المساجلات الدينية ،والتعامل
بحساسية شديدة مع كثير من المواقع العامة فى المجتمع ،فلا يصل
إليها قبطى أو أمرأه ،وكان من نوادر الأمور أن ينجح قبطى أو امرأة فى
الانتخابات البرلمانية ،وأعتاد رئيس الجمهورية تعيين عدد محدود من
النساء والأقباط فى البرلمان ،وأحيا ًنا يقع الاختيار على امرأة قبطية
حتى تستطيع أن تسد أوجه النقص فى المجالين الدينى والنوعى معا.
وظلت التوترات الدينية كابوسا يطارد المجتمع ،كلما أخمد أزمة فى
مكان ،استيقظت أخرى فى مكان آخر نتيجة مناخ الشحن ،والتحريض،
والتطرف .وبينما استبشر المجتمع فى أعقاب عام 2011عه ًدا جدي ًدا
عاش المصريون بعد ذلك ،مسلمون ومسيحيون ،مرحلة قاتمة ،أوشك
فيه الوطن على الانزلاق فى أهوال التخلف والعنف والكراهية .والسؤال
الآن :لماذا اختفت هذه الصورة المرتبكة ،وآلت الأمور إلى أفضل بعد
عقد من الزمن؟ الإجابة عند الـدولـة .فقد خفت بشدة مشكلات
بناء وترميم الكنائس بعد وضع إطار قانونى لها ،واتسعت الفرص
السياسية والاقتصادية المتاحة أمام المرأة ،وتخلصت كثير من المناصب
من الحساسية المحيطة بها ،وزاد التنوع الدينى والنوعى فى التمثيل
البرلمانى ،وخمدت إلى حد بعيد التوترات الدينية بعد أن صار القانون
ٌيطبق على المعتدى بعد عقود من إدارة الملف الدينى فى سياق عرفى
يشجع على المزيد من الممارسات الطائفية.
المواطن والتنمية المستدامة
راج مفهوم التنمية المستدامة على نطاق واسع ،وهو يعنى باختصار
أن تكون هناك فرص للأجيال القادمة ،من خلال ذلك الارتباط بين
الاقتصاد والبيئة والتغيرات الم ًناخية والتنمية البشرية ،على نحو يجعل
يوليو 2024