Page 27 - مجلة ثقافة قانونية - العدد الثالث
P. 27
والمجتمع المدنى ،ودعم الصناعات الثقافية والتراثية ،وتهيئة المجتمعات
المحلية التى تحوى جانبا من هذه المسارات سياحيا وبيئيا ،على نحو
يجعلها جاذبة للزائرين.
تحديات على طريق المواطنة
هناك عدد من التحديات /المهام التى ترتبط بجهود تعزيز المواطنة
فى المجتمع المصرى ،يتعين العمل بجدية فى سبيل تحقيقها:
من ناحية أولى مواجهة الثقافة المحافظة المتعصبة .لا يزال المجتمع
يعج بأفكار التعصب ،والكراهية ،والتى تبث سمومها فى الفضاء
الإلكترونى ،بهدف إشعال حرائق طائفية بين المواطنين ،ونشر السجال
الدينى البغيض ،وتحدى جهود الدولة الرامية إلى تعزيز المواطنة .وقد
لا يكون التعصب ساف ًرا أو مباش ًرا ،لكنه يجد حاضنته فى الثقافة
المحافظة التى تتغذى على بقايا خطابات التطرف .وهناك أحداث
تشير إلى ذلك بوضوح ،مثل توقيف طالبة على باب الجامعة لأنها
ترتدى فستا ًنا ،ومساعى الفصل بين الجنسين فى الفرق المسرحية،
وتبرير العنف الذى ٌيارس ضد المرأة بحجج واهية ،ومنع الفتيات
من ممارسة بعض ألوان الفنون ،وغيرها .وتمثل الثقافة المحافظة،
مزي ًجا من التعصب ،والتزمت الاجتماعى ،ومعاداة التنوير ،وتستند
إليها جماعات التطرف فى تسويغ ونشر أفكارها حتى إن أصابها
التراجع سياس ًيا ،والهزيمة أمن ًيا.
من ناحية ثانية تكثيف نشر الأفكار الايجابية فى عموم المجتمع .رغم
أن التوجهات العليا للدولة المصرية ،الصادرة على وجه الخصوص من
رئيس الجمهورية تتسم بالجرأة فى مواجهة التطرف ،والحرص على
نشر قيم المواطنة والتسامح وقبول الآخر ،قولا وفعلا ،وهكذا تمضى
بقية مؤسسات الدولة ولاسيما الدينية والإعلامية والثقافية على
مستوى خطابات قياداتها العليا ،إلا أن هناك تحديات فى وصول هذه
الخطابات إلى القواعد العريضة فى المجتمع ،التى لا تزال تصارعها
أفكار التطرف ،ويقف الجهاز البيروقراطى عائقا أمام انتشارها.
المشاهدات كثيرة ومتنوعة .فقد اتخذت الدولة عدة مبادرات مهمة
فى دعم حقوق الإنسان ،والتنمية المستدامة ،وتمكين المرأة إلا أن هذه
التغيرات المهمة لا يعرفها المجتمع بالقدر الكافي .فهل يعرف – على تخلق فرصا اقتصادية لأجيال حالية ،لكنها توفر مصادر دخل مستدام
لأجيال قادمة .ويؤدى تمكين المجتمعات إلى تطويرها اقتصاد ًيا ،والحد
سبيل المثال -طلاب المـدارس والجامعات ناهيك عن الموظفين فى من الهجرة منها إلى المدن بح ًثا عن فرص للرزق ،ويمنع العشوائية
فى البناء والتوسع العمرانى الذى يرتبط بغياب المعنى الثقافى ،وينعم
المؤسسات الحكومية الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ،ورؤية السكان أنفسهم بهوية محلية شكلتها الخصوصية الثقافية التى يتسم
مصر 2030أو توجهات الدولة فى مجال المواطنة وغيرها؟ أظن أن بها مجتمعهم المحلي.
ومن ناحية ثانية تسهم المسارات الروحية فى ايجاد مصادر دخل
المعرفة بها لا تزال محدودة ،وهى حالة يمكن أن نطلق عليها الممانعة للاقتصاد بخلاف المصادر التقليدية ،فهى ليست مـزارات سياحية
بالمعنى الحرفى ،رغم أنه ينظر إليها كذلك ،لكنها مصدر إلهام روحى
البيروقراطية ،التى تحد من انتشار المعرفة بدور الدولة فى مجالات له جمهوره ،والذى يؤدى كثافة حضوره إلى تنويع مصادر الدخل ،فبدلا
من الاعتماد فقط على المصادر المتعارف عليها :قناة السويس ،تحويلات
التنمية والمواطنة ،بل قد تتجه بعض قطاعات البيروقراطية إلى إثارة المصريين فى الخارج ،الصادرات ،والسياحة ،يأتى مورد جديد يخاطب
أهل الوجدان الايمانى من كل الأديان ،وما أكثرهم ،وهم رغم كونهم
ثقافة سلبية حولها ،وهو ما ظهر فى بعض المناسبات. ُسيا ًحا بالمعنى الظاهر ،لكن مقصدهم وغايتهم مختلفة .ونظ ًرا لأن
التراث الدينى المصرى متعدد ومتنوع ،فقد يشكل فى ذاته مصدرا
ومن ناحية ثالثة ،الاهتمام بالتربية المدنية فى مؤسسات التعليم. متعدد الابعاد للزائر الذى يبحث عن رسالة روحية سوف يزداد الطلب
يبدو أن التعليم عامل أساسى مشترك فى مواجهة التعصب ،ونشر عليها فى ظل التحديات الاخلاقية التى تحاصر العالم.
ومن ناحية ثالثة يساعد الاهتمام بالمسارات الروحية على تطوير
التسامح ،وقبول الآخر .فإذا كانت الدولة بذلت جهو ًدا واسعة فى التنمية الثقافية ،حيث يعزز ذلك الانتاج الفنى ،والمؤتمرات الثقافية
مواجهة التطرف سواء فى تسعينيات القرن العشرين فى عهد وزير والدينية ،والمنتجات التراثية والإبداعية ،والسياحة البيئية ،وغيرها
من المجالات التى تسهم فى الاقتصاد القومى ،ليس هذا فحسب ،بل
التعليم الراحل الدكتور حسين كامل بهاء الدين ،وتجددت هذه الجهود، أنها تطرح إمكانيات واسعة لزيادة الموارد الاقتصادية للدولة فى ظل
منافسة شرسة .فقد نجد دولا اقليمية تنشط فى مجال السياحة
أن اجتثاث الخطابات يونيو ،2013إلا حكتسبًماالتععقليبم0،أ3و بصورة أكثر الشاطئية ،وتحقق نجاحات عديدة ،ودولا أخـرى تعتمد على شكل
الحياة الجامعية ،ليس محاصرتها فى المتطرفة من محدد من السياحة الدينية سنو ًيا ،ولكن مصر لديها تنوع هائل فى
التراثات الدينية ،على نحو يجعل منها كيانا انسانيا فريدا يضم
كافيا ،طالما أنه لا يرتبط بنشر التربية المدنية فى المدارس ،وثقافة تراثا ماديا وغير مادى للأديان الثلاثة لا مثيل له فى منطقة الشرق
الأوسط ،ولا فى أى بقعة أخرى من العالم .وإذا كانت دول المنطقة
المشاركة المجتمعية بالنسبة لطلاب الجامعات ،وتشير الخبرة إلى أن تسعى إلى تنويع اقتصاداتها فى غضون السنوات القادمة ،فإن مصر
لديها مقومات متنوعة بالفعل لا تتطلب سوى تنميتها ،والإفادة منها.
مواجهة التطرف تحتاج إلى جهود تراكمية من نشر الثقافة المدنية، يتطلب الأمر خطة اقتصادية واضحة للإفادة من المسارات الروحية،
واهتما ًما من مؤسسات الدولة ،وشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص
والأنشطة الفنية والثقافية ،والانفتاح على التنمية والعمل الاجتماعى،
وذلك حتى يتشكل وجدان مدنى لدى النشء والشبابُ ،يثل فى ذاته
حصانة تلقائية مستدامة ضد الفكر المتطرف.
ومن ناحية رابعة الاهتمام بوصول الخدمات الثقافية إلى كافة الربوع
ولاسيما المناطق المهمشة اقتصاديا وثقافيا .تظل العدالة الثقافية مسألة
محورية ،لأن التطرف يغزو الأماكن النائية ،مثل القرى والكفور والنجوع،
والتى لا تصلها خدمات ثقافية ،وهذه مسئولية مباشرة للمثقفين خاصة
المهتمين بالثقافة المحلية ،والجهات المعنية بنشر الثقافة والفنون ،لأنه
وفقا لنظرية «ملء الفراغ» ،فإن التطرف والتزمت والجمود يحل محل
الثقافة عند غيابها.
يوليو 2024 هذه بعض القضايا على طريق تحقيق المواطنة الكاملة ،ينبغى العمل
عليها ،وهى تمثل قوة دفع للأمام فى اتجاه المدنية ،والتحديث ،وبناء
مجتمع أفضل ،ولاسيما فى وجه من يحاول أن يجذب المجتمع إلى
الخلف ،ويقف فى وجه نشر قيم المواطنة والمساواة ،والتسامح.
27