Page 25 - merit 52
P. 25
23 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
نقلة الفردي ،من البيئة الريفية
إلى المدينة ،أو من المدينة
إلى أخرى أجنبية كان
بدافع الرغبة في تحصيل
المعرفة وتطوير الكفاءة
الذاتية ،وتعميق التجربة،
وتوفير ظروف أفضل،
لحماية الذات وتمكينها من
مواصلة كفاحها في أداء
رسالتها .فوجد الفردي
نفسه في خضم أمكنة
جديدة مغايرة ،تلقي عليه
بظلالها ،وتحتم عليه
اكتشافها والتعالق مع
حسن بحراوي جليلة الطريطر جبرا إبراهيم جبرا الجماعي ،الذي ُيعمرها
و ُيقيم فيها .وتجلى ذلك في
هجرة جبرا إبراهيم جبرا
و ُرغم تعدد الأمكنة الممتدة ،من المشرق العربي، إلى إنجلترا ،طلبا للعلم ،وفي هجرته من فلسطين
كالقدس وبيت لحم والناصرية وبغداد ،إلى المغرب
إلى العراق ،هر ًبا من الاحتلال ،وأملا في تحقيق
العربي ،كمدينة لالة ُمغنية وتلمسان والجزائر فإنها طموحاته الفردية والثقافية ،ومواصلة معركته مع
ُتعبر إجما ًل ،عن تطور المدينة العربية ،وانفتاحها على
الحداثة الغربية ،بد ًءا من أشكال بيوتها ومواقعها وما الاحتلال الإسرائيلي بطرق أخرى .ولنفس السبب،
ُتفصح عنه من منظومة قيمية ،وانتهاء إلى هندسة يضيق عبد الرحمن مجيد الربيعي بالناصرية لما فيها
بناياتها ،وتصميم شوارعها وأسواقها وساحاتها
من ضيق أفق ومحدودية فكرية ،ويسأم العمل في
ومؤسساتها العمومية ،وما ُتعبر عنه من تحولات
قيمية ،على صلة وثيقة بالحداثة. مدرسة ريفية نائية ،ثم يترك مسقط رأسه ووظيفته،
ليلتحق ببغداد ،أم ًل في تحقيق الذات .غير أنه سرعان
ُيمثل البيت العائلي ،في السيرة الذاتية ،بشكله
وهندسته وطبيعة أثاثه ،منظومة سيميولوجية ما يتركها إلى بيروت ومصر فتونس ،التي آثر
ُتعبر عن الوضعية المادية للعائلة ،وموقعها الطبقي، الاستقرار بها أكثر من ربع قرن ،هر ًبا من ضيق
وتكشف قيمها الثقافية والاجتماعية .فالبيوت الجماعة ،وبحثًا عن ظروف جديدة .وغير بعيد عن
المُؤجرة ،التي سكنتها عائلة جبرا إبراهيم جبرا في ذلك يهاجر واسيني الأعرج إلى سوريا طلبًا للعلم،
ويهرب من الجزائر إلى فرنسا ،حف ًظا للنفس من
بيت لحم والقدس ،دالة على ُعدمها ،وغرفتها الوحيدة
والبدائية ،التي تتسرب المياه من سقفها ،وتعبث القتل ،لأن عصابات الإسلام السياسي ،في العشرية
فيها الفئران والبراغيث ،دالة على مستوى الاحتياج السوداء قد أهدرت دمه ،وقتلت شبيهه في الهوية
والخصاصة .مثلما أن محتويات المنزل العائلي لعبد الاسمية« :واسيني لحرش لم يكن يعرف .وهو يخرج
الرحمن مجيد الربيعي ُتؤكد بدائيته وفقره ،وتبرهن في ذلك الصباح ،أنه س ُيقتل في مكان رجل آخر .كم
على نزوح أصحابه من الريف هر ًبا من سلطة أشتهي اليوم أن يمنحني الله فرصة ،لأقبل رجلي
الإقطاع ،إلى المدينة الناشئة حديثًا .إضافة إلى أن هذا الرجل وأعتذر منه عن خطأ لم تكن لي فيه أية
مسؤولية سوى قدر الاسم»( ،)9وقد عجز الجماعي
السياسي والأمني عن حمايته.
تحضر المدينة حضو ًرا ُمتمي ًزا ،في السيرة الذاتية،