Page 30 - merit 52
P. 30

‫العـدد ‪52‬‬   ‫‪28‬‬

                                                        ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬

 ‫الشارع فيما أرى موفقة ج ًّدا (‪ )..‬وهي تليق بشارع‬          ‫وأساتذته في تلك السنة»(‪ .)27‬ومثل سلوك الربيعي‬
  ‫جميل هو من أجمل شوارع بغداد وأشدها وق ًعا في‬             ‫الثقافي أي ًضا‪ ،‬حلقة وصل بين الجماعي الأدبي‪ ،‬في‬
                                                          ‫مجالات الشعر والقصة والرواية والنقد‪ ،‬والجماعي‬
    ‫النفس»(‪ .)28‬وأنشد إلى اتساعه وتناسق أشجاره‪،‬‬
      ‫وموقعه ونظافة هوائه وهدوئه‪ .‬فأقام بيته على‬             ‫الفني‪ ،‬في مجالات الرسم والمسرح والسينما من‬
    ‫أرض قريبة منه‪ .‬وصار يرى فيه بغداد الجديدة‬              ‫جهة‪ ،‬وبين الفاعلين الثقافيين في المشرق والمغرب‬
                                                            ‫العربيين من جهة ثانية‪ .‬حتى اع ُتبر مرك ًزا ثقافيًّا‬
 ‫بكل تطوراتها‪ ،‬وفي كل حالاتها‪ .‬فالعشاق الذين كان‬        ‫متحر ًكا ماث ًل‪ ،‬في صورة إنسان‪ .‬ولم يشذ الأعرج عن‬
   ‫يراهم يتنزهون فيه تراجعت فيه رغبة النساء بعد‬            ‫سابقيه في تأثره بالمؤسسات الثقافية القائمة‪ ،‬التي‬
  ‫الزواج عن مرافقة أزواجهن إليه‪ .‬وفضلن الجلوس‬           ‫تجمع الفردي بالجماعي وتأثيره فيها‪ .‬فقد كان اتحاد‬
  ‫في البيوت‪ ،‬على التجول فيه رفقة أزواجهن‪ .‬و ُيؤرخ‬         ‫الكتاب الجزائريين مجا ًل خصبًا‪ ،‬لتفاعله مع الجيل‬
      ‫جبرا لهذا الشارع‪ ،‬فيجد حالته في العهد الملكي‬        ‫الأدبي الشاب‪ ،‬ومرافقته في نحت تجربته الإبداعية‪.‬‬
                                                          ‫ومثلت تجربته في جمعية الجاحظية تواص ًل مثم ًرا‬
‫أفضل منها في العهود اللاحقة‪ ،‬وخاصة بعد العدوان‬          ‫مع الجميع‪ ،‬وعنصر ربط بين مختلف الأجيال‪ ،‬خدمة‬
      ‫الثلاثيني على العراق‪ .‬ويصف الربيعي الشارع‬          ‫للغة العربية في الجزائر وللأدب الجزائري المعاصر‪.‬‬
    ‫الرئيس في الناصرية‪ ،‬المطل على الفرات‪ ،‬والمتميز‬
                                                                ‫لقد مثل هذا التعالق بين المؤسسات الثقافية‬
   ‫بالاتساع‪ ،‬والمؤثث بالمقاعد الخشبية‪ ،‬والذي كثي ًرا‬      ‫والفردي والجماعي أرضية خصبة‪ ،‬لتوسيع خبرة‬
     ‫ما جمعه بأصدقائه‪ ،‬للتنزه والخوض في مسائل‬             ‫الفردي‪ ،‬وتعميق كفاءته المعرفية‪ ،‬وانفتاح الجماعي‬
 ‫الأدب والفن‪ .‬ولقد اهتم بالقطار الرابط بين البصرة‬
   ‫وبغداد‪ ،‬باعتباره مكا ًنا ُمتنق ًل‪ ،‬وما يتحقق فيه من‬       ‫على ضروب المعرفة‪ ،‬بكل اختصاصاتها وخدمة‬
 ‫تعارف وتواصل مع الجماعي‪ ،‬ومن تنمية للعلاقات‬              ‫نوعية للثقافة العربية الحديثة‪ ،‬وانعتاقها من العزلة‬
  ‫الإنسانية‪ ،‬وما يقع فيه من بيع للمنتوجات المحلية‪،‬‬
   ‫بدليل قوله‪« :‬وما إن يقف القطار حتى يهرع باعة‬             ‫والانغلاق‪ ،‬وضيق الأفق القطاعي والانغلاق على‬
‫القيمر من النساء والرجال‪ ،‬وهم يعرضون بضاعتهم‪،‬‬              ‫الاختصاص‪ ،‬والتخلص من ثقل الماضي‪ ،‬والتفاعل‬
                                                            ‫المثمر مع ثقافة الحاضر‪ ،‬وتبادل التأثير والتأثر‪.‬‬
       ‫في صحون من الفخار التي تعطى مع القيمر‪،‬‬
‫ليحملها المشتري تذكا ًرا‪ .‬كما يهرع باعة أرغفة الخبز‬           ‫لم تكن الساحات العامة‪ ،‬والحدائق والمتنزهات‪،‬‬
                                                             ‫والأنهج والشوارع في المدينة‪ ،‬أفضية محايدة أو‬
   ‫الساخنة‪ ،‬فتدب الحركة ويصحو الجميع»(‪ .)29‬ولم‬
   ‫ُيهمل البساتين التي كانت مجا ًل رحبًا‪ ،‬لاستقطاب‬            ‫باهتة‪ .‬بل كانت فاعلة و ُمؤثرة‪ ،‬في العلاقة بين‬
                                                         ‫الفردي والجماعي‪ .‬فهذا جبرا ُيخصص فص ًل ها ًّما‪،‬‬

                                                                                       ‫من سيرته الذاتية‬
                                                                                        ‫العراقية‪ ،‬لشارع‬
                                                                                       ‫من شوارع بغداد‪.‬‬
                                                                                       ‫ذلك الشارع الذي‬
                                                                                        ‫استقطب حركته‪،‬‬
                                                                                         ‫وأثر في أفكاره‪،‬‬
                                                                                        ‫ونفذ إلى مؤلفاته‬
                                                                                        ‫الروائية‪ ،‬ووصله‬
                                                                                        ‫بالجماعي‪ ،‬للتنزه‬
                                                                                        ‫والمشي والنقاش‪.‬‬

                                                                                              ‫وقد انفعل‬
                                                                                         ‫بروعة تسميته‪،‬‬
                                                                                         ‫بقوله‪« :‬وتسمية‬
   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34   35