Page 34 - merit 52
P. 34

‫العـدد ‪52‬‬   ‫‪32‬‬

                                                  ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬

     ‫المركزي ضد الاستبداد والعسف‪ ،‬والتهميش‬               ‫لأي من النصوص الروائية التي اخترناها‬
           ‫والنفي الوجودي‪ ،‬والإقصاء والإلغاء‪.‬‬       ‫موضو ًعا لتطبيقاتنا‪ ،‬وهي نصوص تتفاوت في‬
                                                  ‫قيمتها الفنية والجمالية‪ ،‬لأغراض المشروع نفسه‪.‬‬
       ‫ومع ذلك لا يزعم هذا المشروع أي انحياز‬
 ‫أيديولوجي أو اجتماعي أو ثقافي معين‪ ،‬إذ ينطلق‬         ‫كما أردنا كذلك –ما أمكننا– تفادي لغة النخبة‬
‫بالأساس {من حرية الراوي والشخوص في النص‬                ‫الصارمة والرصينة‪ ،‬ما ترتب عليه بالنتيجة‬
  ‫والمجتمع}‪ ،‬وإن تبنى منهجيات‪ ،‬أنتجتها مدارس‬
                                                          ‫الخروج باللغة النقدية من ادعائها الوقار‬
   ‫اليسار في بعض أجزائه‪ .‬وهذا بالتحديد هو ما‬            ‫الأكاديمي‪ ،‬لتقترب أكثر من وجدان القراء‪.‬‬
      ‫يشكل عناصر رؤيته كمشروع لنقد السرد‪.‬‬             ‫قيل إن نيريري رئيس تنزانيا‪ ،‬كان قد أعطي‬
                                                      ‫طلاب الجامعات التنزانية إجازة لعدة أشهر‪،‬‬
‫يزعم أن عملية الإنتاج الأدبي والإديويولوجي‪ ،‬لا‬        ‫كي يعودوا إلى مدنهم وقراهم‪ ،‬ليعد كل منهم‬
     ‫تنفصل بالمرة عن العملية الاجتماعية العامة‪.‬‬      ‫بحثًا عن القبائل التي تسكنها‪ ،‬وأنماط حياتهم‬
                                                     ‫وثقافاتهم‪ ،‬فلكلورهم وفنونهم‪ ،‬وسبل كسبهم‬
 ‫وغني عن القول إن النزوع نحو السرد على وجه‬            ‫للعيش‪ ،‬وأوضاعهم الاجتماعية‪ ..‬إلخ‪ .‬وعندما‬
   ‫الخصوص‪ ،‬هو محصلة نهائية لتداخل عوامل‬                ‫أنهى هؤلاء الطلاب عطلتهم‪ ،‬اكتشفوا أنه قد‬
      ‫مجتمعية‪ ،‬يحضر فيها النفسي والاجتماعي‬           ‫تجمعت بين أيديهم مادة ثقافية تاريخية غنية‬
    ‫والتاريخي‪ ،‬بمعنى أن السرد ملازم للأدب في‬            ‫ع َّرفت بالانسان التنزاني وثقافته وتاريخه‬
     ‫شروط الإنتاج و تفاصيله أي ًضا‪« :‬فالسرد لا‬       ‫وتقاليده التي تكشف عن خصوصيته الثقافية‬

 ‫يمكن أن ينفصل عن سياقه المجتمعي‪ ،‬فكل نص‬                                     ‫والحضارية كشعب‪.‬‬
   ‫سردي ليس سوى تجربة اجتماعية‪ ،‬عبر واقع‬            ‫أحكي ذلك تحت وطأة الشعور الملح‪ ،‬بضرورة‬
  ‫ومتخيل‪ ،‬وبالرغم من كل المسافات الموضوعية‪،‬‬       ‫إيلاء آدابنا وفنونا وفلكلورنا في السودان الكبير‪،‬‬
                                                     ‫الاهتمام الذي يستحق من الدراسة والتحليل‪،‬‬
    ‫التي يشترطها بعض السراد لممارسة السرد‪،‬‬
   ‫فإن المجتمع يلقي بظلاله على سيرورة العملية‬          ‫إذ تنطوي هذه الأشكال الإبداعية في الحقول‬
‫الإبداعية‪ ،‬بل ويوجه مساراتها الممكنة في كثير من‬      ‫المختلفة‪ ،‬على المكونات الأساسية لما نحن عليه!‬
‫الأحيان‪ .‬بالنتيجة نزعم‪ ،‬أن لا أدب بدون مجتمع‪،‬‬       ‫ولهذا السبب بالذات‪ ،‬اهتممت بقراءة السرد في‬
   ‫ولا مجتمع بدون أدب‪ ،‬فلكل مجتمع أدبه ولكل‬          ‫بعده الاجتماعي‪ ،‬وربما للسبب نفسه بدى أثر‬
  ‫أدب مجتمعه‪ ،‬الذي ينكشف من خلال نصوصه‬                ‫البنيوية التركيبية (جورج لوكاتش– لوسيان‬
                                                      ‫غولدمان)(‪ )1‬واض ًحا في بعض القراءات‪ ،‬رغم‬
                  ‫المدونة ورواياته الشفاهية»(‪.)2‬‬
      ‫إذا نأمل أن يشكل هذا الجزء من المشروع‪،‬‬           ‫مصاحبة منهجيات نقدية أخرى‪ .‬وذلك ربما‬
       ‫والمشروع ككل بأجزائه الستة {‪ /١‬القصة‬          ‫يعود لكونها –البنيوية التركيبية– الأكثر فعالية‬
  ‫القصيرة في السودان‪ /٢ ،‬الرواية في السودان‪،‬‬
 ‫‪ /٣‬السرد الجنوب سوداني‪ /٤ ،‬السرد العربي‪،‬‬               ‫من بين المناهج الأخرى‪ ،‬في كشف وتحليل‬
     ‫‪ /٥‬السرد الأفريقي‪ /٦ ،‬سرد المرأة} إضافة‬            ‫علاقة النصوص موضوع قراءاتنا‪ ،‬بمجمل‬
     ‫لدراسات علم اجتماع الأدب بعامة‪ ،‬وإضافة‬          ‫صراعات البنى الاجتماعية في منعطفات تحول‬
‫للدراسات السردية النقدية النظرية والتطبيقية في‬      ‫الواقع الإجتماعي السوداني الحاد‪ ،‬منذ خطاب‬
                                                     ‫{الستينيات} وصو ًل إلى الخطاب {التسعيني}‪.‬‬
                                      ‫السودان‪.‬‬     ‫إذ استهدفنا الكشف عن الجذور الثقافية البعيدة‬
  ‫وأخي ًرا يتوجب التأكيد أن سوسيولوجيا الأدب‬      ‫لهذه النصوص في البنى الاجتماعية‪ ،‬بحكم الموقع‬
  ‫«لا تقترح نفسها كبديل عن الدراسات والمناهج‬          ‫الاجتماعي والثقافي للشخصيات التي تتحرك‬
   ‫الأدبية‪ ،‬التي تعنى بتأويل الأدب‪ ،‬بل تعلن عن‬     ‫بين إحداثياتها‪ ،‬والتي يخوض معظمها صراعات‬
                                                        ‫اجتماعية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬إثنية‪ ،‬إلى جانب الصراع‬
       ‫ذاتها كمعرفة تحليلية‪ ،‬تشتغل على العلائق‬
     ‫الممكنة‪ ،‬التي يدشنها الأدب مع أبنية المجتمع‬
  ‫وحركاته‪ .‬لقد جاءت هذه السوسيولوجيا لتفكك‬
   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39