Page 36 - merit 52
P. 36
العـدد 52 34
أبريل ٢٠٢3
أطراف المدن المنسية ،يتقاسمون الضنك والبؤس على مؤخرتها البديعة عند صانع الاكسسوارات
والهموم والمسرات النادرة. الجلدية ،إذ يستمر في تقشير الليمونة بأصابعه
لقد جسد السرد في مسيرته الطويلة ،عبر الرموز الخبيرة ،وهو يدعك قشرها على راحته ،يزيل
والإشارات والأقنعة ،وتوظيف الأساطير والحكايا بقايا رائحة الفخار ،التي لا تزال تتسلل إلى أنفه
الشعبية ،كل ما اعتمل ويعتمل داخل الأبنية باصرار لا يلين!
الاجتماعية ،بل وأصبحت البنى الحكائية هي في هذه الوجوه ارتسمت كل الأغنيات القديمة
الأبنية الاجتماعية نفسها ،وإحداثيات النص هي
والجديدة ،زغزغة العصافير ،هديل الحمام،
خطوط الطول والعرض ذاتها. تراتيل كهنة معابد أبادماك ،وصوت العطبراوي
لقد قال السرد كل الذي فشلت فيه الكتابات
الأكاديمية لدارسي الاجتماع البشري ،والثقافات يغني( :يا غريب يلا لبلدك!) .صوته يغوينا
والرؤى ،ظل السرد ينبض كقلب بهذا المجتمع، لنسحب من أدراج الذاكرة كتا ًبا قدي ًما ،كنا قد
يفضح غير المصرح به ،ويعلن عن مسكوتاته، ظننا في البدء أن المطابع أخرجته للتو! وصفحة
ويقول بغير المفكر فيه ،حتى لم يبق ثمة شيء فصفحة كان الكتاب من الغلاف إلى الغلاف هو
الصفحة ذاتها! لكأنها (بردية) حديثة ،كتبها
يجب أن يقال ولم يقله! (عنقالي) عابر لزريبة البهايم ،فيما كان يدندن
ظل السرد يعمل كمختبر تتموضع فيه المواد بأغنية ود البكري المثيرة للحروب الأهلية (شرابنا
الاجتماعية ،حتى تلك الهاربة من الموضعة، موية نار ،لحم الأسود مزتنا ،فرش البيت حرير،
كان يمسك بها بملقاطه المتمرس ،يضعها تحت
مايكروسكوبه ،يفتش في كل خلية نواة فنوية، ترقد عليه فرختنا!) ..كأن الأمر لا يعنيه!
فالسرد يعي ذاته كأداة جبارة لتحليل المشكلات ومع ذلك بعد عشرات السنوات ،ليس بامكاننا
والظواهر الاجتماعية ،التي لم يعرها الدارسون أن نخطئ رؤية حجم التحولات السوسيولوجية
والباحثون الأكاديميون اهتمامهم ،أو لم تلفت الضخمة منذ طلق «ود النمير فاطمة السمحة»،
نظرهم أو تواطأوا عليها بالاغفال ،والصمت! بسبب ضنك العيش! إلى أن أنجب الغزاة الملتحين،
تجاهلت المؤسسة الثقافية الرسمية والأكاديمية
–تاريخيًّا -في السودان ،دور السرد في نهضة ملايين الزعانف!
مجتمعات فتية ،كالمجتمعات السودانية ،إذ لم وها نحن هنا ..والآن بين منزلتين! يسعى
يتم أي نوع من التواصل المستقر والممنهج بين بينهما السرد ،ليحكي عن (فوز) و(خليل فرح)
كيانات المبدعين وكليات الآداب! كما لم تتم أي وقصة أول انقلاب عسكري قاده جدنا (علي عبد
محاولة لجعله جز ًءا من المناهج الدراسية ،بل اللطيف) ،وكل وقائع وأحداث ما جرى في الليالي
ويندر أن نجد رسالة جامعية عن السرد .ولكن المظلمات! عن الكيفية التي تحاول بها حفيدات
نجد مئات الرسائل حول السكون أو الهمزة! أو (الكنداكات) العظيمات ،تخطي التحديات التي
إبطال مرور الكلب الأسود للصلاة ،أو مضاجعة تجابههن كنساء ،تحاصرهن السلط بكل أنواعها،
النفساء ،أو الزوجة المتوفاة ..إلخ من أمور لا تكرس فيهن كل ما يفضي بهن إلى المتاهة ،التي
تشغل بال سوى نوع معين من الكائنات ،التي تصبح جز ًءا من أسلوب حياتهن ،وتقيد فيهن
هاجرت من عصرنا لتعيش في التاريخ ،بل عند
زيارتهم لعصرنا ،يحاولون إسقاط واقعهم الذي عصافير الأحلام الجموحة.
يعيشونه في التاريخ ،فيعادون أي فعل جمالي، وعلى الضفة الأخرى تنكشف مفارقة رحيل ثلث
فقد ضربت ذائقتهم المأساوية بجذورها ،في
الشعب ،في مهب النفط ،وانفصال ثلثه الثاني،
دمامة ودمامل القبح! وتزعم الطريفي ودخشم الموس باشا لمهنيين
كذلك نلاحظ –تاريخيًّا– أنه لا توجد في تلفزيوننا الثلث الثالث ،وهو لا يدري إلى أي ثل ٍث في الأثلاث
يجدر به أن يمضي!
إلا أنها من الجهة الأخرى تسلط الضوء على
ماضي هذا الشعب ،فيما ينكفئ المهمشون على