Page 40 - merit 52
P. 40

‫العـدد ‪52‬‬   ‫‪38‬‬

                                                       ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬

                      ‫خال من التنمية وأسبابها!‬             ‫أجيال سابقة‪ ،‬كجيل الروائي الراحل محمود‬
       ‫مع باشلار حكى المكان عن زرائب الرقيق‬                  ‫محمد مدني‪ ،‬الراعي الروحي لنادي القصة‬
‫المعاصر التي شيدها نخاسة السياسة الإسلاموية‬            ‫السوداني‪ ،‬بل أسهمت استضافة الروائي الراحل‬
 ‫الطائفية والإثنية‪ ،‬وتحدث عن الانتهاك والتعذيب‬              ‫محمود محمد مدني لمنتدى نادي القصة في‬
      ‫في بيوت الأشباح‪ ،‬التي شيدت بين جنباته‪..‬‬          ‫منزله‪ ،‬لا في تعميق الصلة والتواصل بين النادي‬
  ‫وأصبح من الممكن الآن رؤية المكان يجوع بفعل‬             ‫وجيل مدني فحسب‪ ،‬بل أسهمت في نقل تجربة‬
    ‫الفقر‪ ،‬ويأكل حد التخمة على موائد الفاسدين‬                ‫هذا الجيل (جيل الخمسينيات والستينيات)‬
‫واللئام‪ ،‬ويشرب مياه النيل المشبعة بمزيج الطمي‬             ‫(‪ )11‬ومراكمتها كخبرات نوعية أضيفت لتجربة‬
‫والنفايات‪ ،‬فتجتاحه الكوليرا‪ ،‬وتقضي على نصف‬                 ‫النادي‪ ،‬وأسهمت بالقفز به نوعيًّا قفزة الفهد‬

                                   ‫سكان البلدة!‬                    ‫الديالكتيكية‪ ،‬ثلاثة أجيال إلى الأمام!‬
      ‫أصبح المكان ينام من رهق التفكير‪ ،‬وينكفئ‬          ‫ولذلك كان تأثير نادي القصة على المشهد الثقافي‬
  ‫بعد أرق أيا ٍم طوال‪ ،‬ويصحو على صياح الديكة‪،‬‬          ‫عمي ًقا وجذر ًّيا‪ ،‬فمن خلال سرديات بعض أعضاء‬
‫داع ًكا عينيه المثقلتين بخمر ليلة البارحة‪ ،‬وتسكره‬       ‫النادي‪ ،‬أصبح التناول لقضايا الهوية والتهميش‬
       ‫الوقائع والأحداث‪ ،‬التي يكون مسر ًحا لها!‬
       ‫فيتصدع حز ًنا وألمًا‪ ،‬يجسد مأساة إنسانه!‬           ‫والاستبداد والاستعلاء‪ ،‬جريئًا‪ .‬كما تم تفجير‬
   ‫كذلك تلك الهتافية والتقريرية ولغة الوعظ التي‬           ‫اللغة‪ ،‬استلها ًما لتجربة ابراهيم إسحق وأحمد‬
‫يمارسها را ٍو مستبد‪ ،‬يصلي خلف علي ويأكل على‬
   ‫مائدة معاوية‪ ،‬أرشفت وصارت في قاع حقيبة‬                   ‫الطيب زين العابدين‪ ،‬وأصبح لذلك الإنسان‬
   ‫الذكريات‪ ،‬أقصى دهاليز المكان وزقاقاته! كتلك‬            ‫في أطراف المدن البعيدة‪ ،‬المهمل والمنسي‪ ،‬دور‬
   ‫الفتاة المحبوسة {في سور وداخل سور محمية‬              ‫يضاهي الأدوار المزعومة للأفندية الأمدرمانيين‬
       ‫الحمى الما حام حداها دخيل] تنتظر فار ًسا‬        ‫المأزومين‪ ،‬الذين عبرت عنهم أعمال عيسى الحلو‬
    ‫على ظهر فرس أبيض‪ ،‬تمد له ضفائر شعرها‬                  ‫وجيله‪ ،‬استلها ًما للتجربة الثرة لإبراهيم بشير‬

                ‫ليتسلقها‪ ،‬وينقذها‪ ،‬دون جدوى!‬                                                  ‫إبراهيم‪.‬‬
                                                          ‫بل وتم رد الاعتبار للشعرية ولغة الحنين‪ ،‬في‬
                ‫‪:٧ –٥‬‬                                   ‫لغة السرد‪ ،‬ما عمق من جماليات اللغة السردية‪،‬‬
                                                        ‫وأغناها‪ ،‬محمو ًل وتأوي ًل ودلالة! ولم يعد المكان‬
  ‫إن الدور الذي لعبه نادي القصة في ملء الفراغ‪،‬‬         ‫هامشيًّا وثانو ًّيا‪ ،‬بل احتل دور البطولة‪ ،‬متسرب ًل‬
 ‫الذي خلفه الغياب الفاجع لاتحاد الكتاب‪ ،‬لا نبالغ‬
                                                            ‫بإفادات الدراسات الحديثة كجماليات المكان‬
     ‫إذا قلنا لهو دور عجزت وزارات الثقافة منذ‬              ‫لغاستون باشلار‪ ،‬والمقترحات النقدية الهامة‬
  ‫تأسيسها بعيد الاستقلال وحتى الآن عن لعبه‪.‬‬                ‫لريكور‪ .‬فمع باشلار {جدلية الزمن‪ ،‬النار في‬
   ‫فمع نادي القصة سعى السرد السوداني للعب‬                  ‫التحليل النفسي‪ ،‬جماليات الصورة‪ ،‬جماليات‬
                                                        ‫المكان‪ ..‬إلخ}‪ ،‬أصبح للزمن معا ٍن تتعدى سريان‬
     ‫دور تاريخي‪ ،‬بتلاقي الأطراف‪ ،‬وإنهاء واقع‬                ‫اللحظة‪ ،‬ولم تعد النار تعبي ًرا عن كونها أداة‬
  ‫الجزر المعزولة‪ ،‬بالتواصل مع السرد السوداني‬            ‫الفناء للوجود الفيزيقي فقط‪ ،‬وأصبحت الصورة‬
   ‫في بيئاته المختلفة شر ًقا وغر ًبا وشما ًل وجنو ًبا‬       ‫الجامدة كيا ًنا متحر ًكا في الزمان والمكان‪ ،‬بل‬
                                                       ‫وأصبح المكان ذات نفسه من لحم ودم‪ ،‬جريئًا في‬
      ‫عبر برنامج {قصاصون عبر المدن}‪ ،‬والذي‬             ‫فضح المسكوتات‪ ،‬ومعر ًيا للقهر الاجتماعي الذي‬
   ‫تطور ليشمل الإقليم العربي والأفريقي‪ ،‬خلال‬           ‫يتعرض له شخصيًّا‪ ،‬مثلما يتعرض له المهمشون‬
   ‫استضافة النادي لكتاب السرد في أندية عشرة‬              ‫تحت وطأة الزمن‪ .‬والكيفيات التي تحول المكان‬
   ‫دول أفريقية وعربية(‪ )12‬وهو الدور نفسه الذي‬
                                                             ‫إلى أرض محروقة بفعل الحروب والجفاف‬
                     ‫يطمح للعبه دوليًّا ما أمكن‪.‬‬         ‫والتصحر والقطع الجائر للأشجار‪ ،‬في مجتمع‬
   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45